-
℃ 11 تركيا
-
16 يونيو 2025
سميح خلف يكتب: إيران.. عوامل القوة والضعف
سميح خلف يكتب: إيران.. عوامل القوة والضعف
-
16 يونيو 2025, 11:46:55 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
منذ عام 1979، حددت الثورة الإيرانية هويتها الأيديولوجية، ومن ثم حددت معسكر الأعداء ومعسكر الأصدقاء. ولكن بالتأكيد، حددت إيران في صلب برنامجها موقفها من المشروع الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة. ومن اللحظات الأولى لانتصار الثورة الإيرانية، عندما منحت مبنى السفارة الإسرائيلية في طهران لإقامة ممثلية لمنظمة التحرير، ورفع العلم الفلسطيني في ذاك الوقت، ساهمت الثورة الفلسطينية بشكل أو بآخر ببعض خبرائها العسكريين إلى جانب الثورة الإيرانية.
اعتبرت بعض الأنظمة العربية أن الثورة الإيرانية، بواقع منطلقاتها، تهدد تلك الأنظمة سواء كانت علمانية أو دينية. ولذلك أُثيرت في الإعلام قضايا مذهبية كخط دفاع أول لتلك الأنظمة من مؤثرات ومنطلقات المتغير الذي حدث في إيران. بعد الشام، جاءت تلك النعرات موازية لتحولات ومتغيرات في المنطقة، باتفاقيات السلام مع ما يُسمى "إسرائيل". ولا أريد هنا أن أدخل في مداخل الحرب الإيرانية العراقية ودوافعها من الجانبين.
لقد أساءت منظمة التحرير الفلسطينية في التعامل مع تلك المتغيرات، بل انحازت للمتغير الأمريكي الذي فرض واقعًا سياسيًا وثقافيًا على هوية الصراع مع ما يُسمى "دولة إسرائيل".
بدون أن ندخل في تفاصيل كثيرة حول مؤثرات النهج الأمريكي-الغربي، فمن الصعب أن نسرد كثيرًا من التفاصيل في هذا المقال، ولكن عملت الثورة الإيرانية على ثوابتها، ليس في نشر الفكر المذهبي، بقدر ما كان في سلوكها وأهدافها، كما حددته في كيفية التعامل مع معسكر الأعداء.
ومن منطق الانجراف نحو التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني من الجانب الفلسطيني، غذّت الثورة الإيرانية فكر المقاومة وسلوك المقاومة لدى الشعب الفلسطيني. أما قيادة منظمة التحرير، فلقد انجرفت نحو ما يُسمى "قرارات الشرعية الدولية"، ومنطق بوش لحل الدولتين، دخولًا إلى أوسلو. فابتعدت قيادة منظمة التحرير عن النظام الإيراني، منحازة ومنجرفة تحت وعود أمريكية وعربية لم تحقق شيئًا للشعب الفلسطيني، بل أدت إلى غياب كامل عن مبادئ الصراع وثوابته التاريخية والوطنية والقومية والإسلامية، وهي تلك النتائج التي نراها اليوم من تشتت في النظام السياسي الفلسطيني.
أوفت الدولة الإيرانية بالتزاماتها الأخلاقية والدينية والأدبية تجاه كل فصائل المقاومة الفلسطينية، سواء كانت إسلامية أو علمانية، وبكل أوجه الدعم لمقاومة الاحتلال. وشكلت جبهة متكاملة لمواجهة العدو الصهيوني وأطماعه، ليس في فلسطين فحسب، بل في كل المنطقة العربية. في حين فشلت الدبلوماسية العربية والبرنامج العربي، حتى في الحفاظ على ما تبقى من أرض فلسطين، والعروض التي قدمتها تلك الدول من أجل التطبيع مع إسرائيل، في المبادرة العربية وقرار مجلس الأمن 242.
وأمام ما قدمه العرب ومنظمة التحرير من تنازلات، كانت شهية حكومات دولة الاحتلال تزداد جوعًا لابتلاع الأرض في الضفة الغربية، وحروب مستمرة وحصار على غزة.
وقفت منظمة التحرير مشلولة أمام المخطط الإسرائيلي لابتلاع الأرض وفصل غزة عن الضفة. وباختزال شديد، لم تعد القضية الفلسطينية على جدول العمل الإقليمي أو الدولي، وأصبحت سلطة أوسلو لها دور وظيفي، وباعتراض رئيس السلطة ورئيس منظمة التحرير.
كان لا بد من الخروج من هذا المأزق بمنطق وحدة الساحات، بالتأكيد بقيادة إيران في جبهة متكاملة تمتد من اليمن إلى لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة.
من المؤكد، في ظل الأوضاع الحالية، أن هناك خطأ في التقدير والحسابات والتوقيت، وما يترتب عليه بانطلاقة "طوفان الأقصى" التي أحدثت متغيرًا واختراقًا للمشروع الدولي الذي أتى بالحربين العالميتين الأولى والثانية على أرض فلسطين. لقد اخترق "طوفان الأقصى" الدور الوظيفي لدولة الكيان الصهيوني، مما أحدث صدمة لممولي هذا المشروع من الأمريكان والغرب. ولذلك كانت الحرب الدموية والتدمير لقطاع غزة بقوة غاشمة، وكذلك في الضاحية الجنوبية للبنان، حيث استخدمت فيها التكنولوجيا والرصد الاستخباراتي لضرب قواعد المقاومة في لبنان، وفي غزة والضفة الغربية.
الحلقة المفقودة في المتغير الذي حدث في سوريا كان سوء التقدير، بحيث مكّن دولة الاحتلال من التفوق على الساحات منفردة. وهي وجهة نظر؛ فلو كان العكس، بأن "طوفان الأقصى" يعمل بكل جاهزيته في كل الساحات، فإن التناقض لا يحتاج لتأجيل بين مشروع أمريكي في المنطقة، وبين مشروع استئصال هذا المشروع وإنهائه على أرض فلسطين.
وكان من البديهي أن يفهم الجميع في جبهة المقاومة أن العدو الصهيوني ومموليه في أمريكا والغرب، في عملية فصل الساحات، هو في النهاية استهداف لإيران كقائدة لمشروع المقاومة. ولذلك نرى اليوم بأن طرح قادة العدو، وعلى رأسهم نتنياهو، يتحدث عن حرب وجود.
ولكن على ما يبدو الآن، فإن مشروع المقاومة ما زال صامدًا قويًا، فضرب الأرض الإيرانية ليس نزهة، بل دكّت صواريخ المقاومة في اليمن ومن طهران عمق ما يُسمى الدولة الإسرائيلية، بضربات مؤلمة، مما أحدث تحولًا بدا واضحًا في الموقف الأمريكي، وعلى رأسه ترامب، الذي كان منذ أيام قليلة يتوعد إيران واليمن، إلى أن أصبح يفهم أن موازين القوة تحكمها الميدان.
ولذلك، يتوسل نتنياهو بالخروج الآمن من تلك المواجهة، مما دفع ترامب لطرح حل سياسي بين إيران وما يُسمى إسرائيل. وبكل التقديرات التي كانت تطالب بتفكيك المشروع النووي الإيراني، فإن طرح ترامب الآن قد تغيّر، أي باعتراف ضمني بأن إيران دولة إقليمية ذات قوة ردع، قادرة على أن تشكل معادلة جديدة، وكما طرح ترامب، كما هو الحال بين الهند وباكستان.
هذا الطرح، كما قلت، حدده الميدان وقوة الرد الإيراني واليمني، مما قد يُفشل المشروع الأمريكي في المنطقة، والتطبيع، وفرض وقائع جديدة على الأرض في كل منطقة الشرق الأوسط.
وانتهت أسطورة "الجيش الذي لا يُهزم"، وغطرسة وادعاءات نتنياهو بأنهم يملكون اليد الطولى في المنطقة. وربما ستؤثر هذه الوقائع على الأحداث، إذا استخدم الفلسطينيون المعطيات الجديدة بشكل أفضل، خاصة مع استمرارية المقاومة في غزة، والمعادلة التي تُنسج في المنطقة من جديد، بين إيران والسعودية ومصر ودول الخليج.









