عبدالرحمن كمال يكتب: إيران والحرب بتوقيت نتنياهو.. لا السنوار

profile
عبدالرحمن كمال كاتب صحفي
  • clock 13 يونيو 2025, 6:46:50 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
المرشد الإيراني علي خامنئي والشهيد يحيى السنوار

كان لدى إيران 3 خطوط حمراء: برنامجها النووي بما يتضمنه من منشآت، وبرنامج الصواريخ الباليستية بما يشمله من قواعد، وبنية صناعة الطاقة بجناحيها النفط والغاز.. وطالما ألزمت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن -والإدارات التي سبقته- مجرم الحرب نتنياهو بعدم المساس بهذه الخطوط الحمراء، وهو ما حصل في جولات العدوان الإسرائيلي السابق على إيران، وكان أقصى ما تم استهدافه هو منصات الدفاع الجوي الإيراني.

كل ذلك تغير مع دخول ترامب إلى البيت الأبيض، وبينما كانت إيران تشعر ببعض الارتياح لعودة ترامب، انطلاقا من كونه تاجرا في المقام الأول، وبالتالي هو رجل صفقات، وإيران بارعة في الصفقات، لهذا توسمت طهران خيرا، خصوصا مع تأكيدات التقارير الغربية على رفض الرئيس الأمريكي الانجرار خلف نزوات ورغبات نتنياهو الطامحة إلى قصف خطوط إيران الحمراء.. لكن ما حدث كان كارثيا وكابوسا غير متوقع لدى إيران، ولدى كل عدو للصهاينة.

وافق ترامب على الرغبة الإسرائيلية الجامحة الطامحة إلى قصف إيران وتدمير خطوطها الحمراء، وستكشف الأيام أن القصف كان بمشاركة ودعم أمريكي، سواء استخباراتي أو عسكري، فلن يصمد ترامب كثيرا قبل أن ينشر في منصته "تروث سوشيال" تفاصيل تلك المشاركة.. وإن كان مراسل القناة الـ12 العبرية قد لمح لهذا ضمنيا، عندما قال لمن يظن خطأً أن الولايات المتحدة لم تُنسّق مع إسرائيل، أنه في 12 أبريل، أمهل ترامب 60 يومًا للتوصل إلى اتفاق مع إيران.. واليوم هو اليوم الحادي والستون.

أما وقد وقعت الطامة، فإن العدوان المتواصل استهدف خطي إيران الأحمرين الأول والثاني، وبغض النظر عن حجم الخسائر الفعلية فيهما (العدو يؤكد التدمير الكامل، وإيران تتحدث عن أضرار سطحية)، فالمؤكد أنهما لم يعودا خطوطا حمراء بعد، وما منع استهداف منشآت النفط والغاز هو تبعات ذلك وتأثيره على أسواق الطاقة العالمية، لكن دورها قادم لا محالة.

وبخسارة خطوطها الحمراء، لم يعد لدى إيران الكثير لتخشى خسارته، وما لم ترد بشكل مماثل، فإن العدوان المقبل (بعد انتهاء تبعات الحالي الذي يتوقع له ان يستمر حتى 26 يونيو) سيطال خامنئي شخصيا، ومنشآت النفط، لينهي الدولة الإيرانية الحالية بشكل حاسم.

أي أن إيران باتت مطالبة بإعلان الحرب (وهو نفس الوصف الذي أطلقه مسؤول إسرائيلي لما يجري الآن في إيران) وليكن ما يكون.. إنها الحرب إذن، ومع توقع دخول أمريكا وتوابعها إلى الخط.. فربما نحن أمام مشهد لحرب شاملة.

الوضع الحالي هو ما كان يهدف له الشهيد القائد يحيى السنوار إبان الطوفان.. أن نصل لمرحلة الحرب الشاملة الحاسمة، ولو حصل ذلك في التوقيت الذي قدره السنوار، لاستفادات إيران من تشتيت إسرائيل في عدة جبهات أهمها غزة التي كانت لا تزال تتمتع بأدوات قوة غير قليلة، ومن بقاء حزب الله حليفها في لبنان بنفس قوته ورجاله وعلى رأسهم سماحة الأمين العام ومجلسه العسكري، ومن بقاء بشار الأسد بما يعني عدم خسارة سوريا كحلقة مهمة في محورها، ومن تصاعد قوة اليمن والعراق.

لكن ما حصل كان مغاير تماما.

نجح العدو في تخطي صدمة الطوفان، ثم نجح في منع اندلاع الحرب في التوقيت الذي حدده السنوار، بل ونجح في اختيار حروبه في الجبهات المختلفة وفقا للتوقيت المناسب له، وبات العدو يشعر أن اللحظة الراهنة تاريخية لن تتكرر.. تمهد لقيام إسرائيل الكبرى، بعد التخلص من جبهات شكلت كابوسا على مر أكثر من 40 عاما.. وسيكون الدور بعدها على ما كان يعرف قديما بدول الطوق، التي نجح العدو في تحييدها عبر معاهدات استسلام في كامب ديفيد ووادي عربة، وستتحول مستعمرات الخليج إلى دول الطوق الجديدة، مع فارق أنها لا تمانع أن تكون مستعمرات إسرائيلية بدلا من كونها مستعمرات أمريكية، ولن ترفض ان تخدم نتنياهو بدلا من ترامب، لأنهم في الحقيقة سيكونون مجرد "ملتزم" كل دوره هو الجباية.

وفي هذا السياق، تكشف تحليلات التمني العربية (على الجانبين) عجزنا العربي الكبير، وارتهاننا إلى إرادة العدو الذي يات يرى نفسه صاحب الكلمة الفصل في من يعيش ومن ينتهي.

العدوان على ايران كارثي بلا شك، ومدلولاته أخطر من عرضها بشكل ساخر أو انتقامي أو استعراضي على طريقة توقعات نتائج مباريات كرة القدم، وتبعات نجاح العدوان ومروره دون رد سيدفع ثمنها العرب مثلما ستدفعه إيران، بعدما دخلوا بيت الطاعة الإسرائيلية تباعا (مصر كانت البادئة).. وسوقهم كالغنم سيكون أسهل من ذي قبل، وإلا مصير إيران وغزة سيكون مصير من يفكر في التمرد (مصر تحديدا هي اكثر المتضررين، بوصفها صاحبة المصلحة الأكبر في منع هيمنة العدو على المنطقة بشكل رسمي وفعلي).

كما أن محاولات دولجية اليسار المصري بأطيافه انتهاز أي حدث في المنطقة للدفاع عن دولة كامب ديفيد، وإيهامنا بأن مصر الآن ليست مصر السادات ومبارك فيما يخص الارتهان والتبعية والانصياع، مجرد تضليل منبعه عداء لإيران لمجرد إسلامية نظامها، تماما كما ينتقدون المقاومة في غزة لمجرد إسلامية قيادتها.. هم لا يقفون في ذات الخندق مع أعداء أمريكا وإسرائيل بحجة الاختلاف الأيدولوجي الجذري.. ولولا الملامة لسارعوا إلى الاحتفال بالعدوان على إيران.

إن الحقيقة التي يجب ان يعيها كل مصري، هي أن مصر ستكون آخر من يسعى العدو لتصفيته فعليا وعسكريا، بعد 50 عاما من التحييد الذي صفى مصر سياسيا واقتصاديا.. ولعل ما أطال أمد التحييد هو ظهور إيران وفصائل المقاومة في لبنان وغزة، ولولا ذلك لكان العدو قد سارع إلى شن حربا خاطفة مثل 1967 على مصر ربما بعد عقد واحد من تحييدها في كامب ديفيد.. لكن الفارق أن تلك الحرب كانت ستطال كامل البر المصري وليس فقط سيناء، وتجعل منه نسخة مما يحدث في غزة طوال 620 يوما.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)