د. إبراهيم جلال فضلون يكتب: من هتلر إلى نتنياهو.. هل ينهض العرب؟

profile
د. إبراهيم جلال فضلون أستاذ العلاقات الدولية
  • clock 15 سبتمبر 2025, 9:38:23 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
د. إبراهيم جلال فضلون يكتب: من هتلر إلى نتنياهو.. هل ينهض العرب؟

كان نيرون يجلس على شرفته في روما، مُمسكًا بعوده المُوسيقي، بينما النار تلتهم مدينته. لم يكن يهمه أن الناس يحترقون أو أن الحضارة تنهار؛ كل ما أراده أن يخلّد نفسه في فوضى الدم والرماد.. وبعد قرون، جاء هتلر ليمارس الهوس نفسه: أراد أن يسوّي باريس بالأرض لأنها أجمل من برلين، وحلم بأن تحترق لندن بضربة نار واحدة. واليوم يقف الإرهابي نتنياهو في غزة موقف نيرون وهتلر معًا: يصغي لنشوة الدمار، كأن قتل الأطفال وقصف المستشفيات عزفٌ يطربه. وعلى مقربة منه، يصفّق ترامب في واشنطن، يغطي كل مجزرة بفيتو ويبرر كل دمعة بعبارة الدفاع عن النفس.


إنهما رجلان يمثلان نسخة حديثة من طغاة التاريخ، لكن هذه المرة ليست روما ولا باريس التي تحترق، بل غزة المحاصرة والعالم العربي مرهق، يتلقون الضربة تلو الأخرى من عمان للدوحة فمن التالية؟.
 

نحن على مشارفِ مرحلة لم يسبق أن مررنا بمثلها، وكـأننا لُقمة مثيرة لشهية أي مُعتدٍ، فقد أثبتت حرب الأيام الـ12، أن حجم إسرائيل المتناهي في الصغر نسبياً، يجب ألا يبقى كذلك، حتى مع ترسانتها من الأسلحة النووية، فهي بحاجة ماسة لمضاعفة مساحتها، ولا ترغب حتماً في أن تضيع فرصتها في أن تكون أكبر، وأكثر أماناً، على حساب مساحة عروبتنا، سيراً على مبدأ إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب... كأنه قانون البقاء في الغابة لا في مجتمعات بشرية حضرية. صدح بها زهير بن أبي سلمى قال قبل الإسلام: ومن لا يَظلم الناس يُظلم، وكأن هذه العقلية البدائية ما زالت تتحكم في كثير من عقول السياسيين المعاصرين. لكن القرآن الكريم جاء ليقلب المعادلة: لا تَظلمون ولا تُظلمون. أي لا مكان لفلسفة الذئاب، بل هناك ميزان عادل يقوم على صيانة الحقوق والدفاع عنها دون الانزلاق إلى الظلم نفسه.
 

ومع ذلك، ما زال قادة العالم يفضلون منطق الغابة. فإسرائيل تصرّ على أن أمنها لا يتحقق إلا بابتلاع أرض الآخرين، وأمريكا تعتبر هيمنتها مبررًا كافيًا لاستخدام كل أشكال القوة والفيتو، كأننا على خشبة مسرح نيرونات العصر، فمن يتأمل غزة اليوم يرى نسخة حديثة من روما المحروقة. ومع ذلك، يظهر نتنياهو في مؤتمراته الصحفية ببرود أعصاب أشبه ببرود هتلر وهو يتحدث عن تدمير باريس.
 

أما الأشقر ويمينه الأمريكي ترامب، لم يتورع عن إعطاء الضوء الأخضر لكل هذه المجازر، بل جعل من قضية القدس ورقة انتخابية. فهما الاثنان معًا يُعيدان إلى الأذهان صورة الطغاة الذين لا يرون في الدماء سوى سلّمًا إلى الخلود السياسي.، أما القمة العربية – الإسلامية في الدوحة ما هي إلا اجتماع دبلوماسي عابر. رغم أنها لحظة فاصلة لاختبار جدية العرب والمسلمين، والتاريخ القريب يقدم لنا درسًا مُهمًا. في أكتوبر 1973، حين استخدم العرب سلاح النفط، فاهتزت الاقتصادات الغربية وارتفعت أسعار الطاقة بشكل غير مسبوق. ولم يكن الهدف مجرد العقاب، بل فرض الاعتراف بالحقوق الفلسطينية. وقد نجح ذلك الضغط في قلب موازين التفاوض. واليوم لنا السطوة لفعلها وأوراقًا أكثر قوة من تلك التي كانت قبل نصف قرن. لكن الفارق هو غياب الإرادة السياسية الموحدة.
 

إذا نظرنا إلى الخريطة الاقتصادية للعالم الإسلامي نجد كنوزًا هائلة:
 النفط: السعودية وحدها تنتج نحو 10 ملايين برميل يوميًا، والعراق 4.5 ملايين، والإمارات والكويت وإيران تمتلك احتياطات تجعلها بين الأكبر عالميًا.
 الغاز: قطر تقود العالم في الغاز الطبيعي المسال، بينما إيران والسعودية في صدارة المنتجين الإقليميين.
 الفوسفات والمعادن: أكثر من 80% من احتياطات الفوسفات العالمية موجودة في دول عربية وإسلامية، إضافة إلى الذهب واليورانيوم والمعادن النادرة.
 الموقع الجغرافي: مضائق هرمز وباب المندب وقناة السويس تجعل من المنطقة قلب التجارة العالمية.
 القوة البشرية: 1.9 مليار مسلم، أغلبهم من الشباب، يشكلون قوة ديمغرافية هائلة.

كل هذه ليست مجرد أرقام اقتصادية، بل أسلحة إستراتيجية قادرة على فرض شروط جديدة إذا ما توحدت الرؤية السياسية. فنملك القوة، أم نملك الإرادة؟.. لينهض العرب من سباتهم وسط حرب منطقها منطق الذئاب البقاء للأقوى فالذئب لا يأكل من غنم الراعي اليقظ والسؤال اليوم: هل يبقى العرب غافلين حتى تنهشهم الذئاب واحدة تلو الأخرى، أم سيستيقظون، فلحظة النهوض قد لا تتكرر، والتاريخ لا يرحم من اختار الصمت وهو يملك مفاتيح القوة.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)