-
℃ 11 تركيا
-
14 سبتمبر 2025
آخرهم "الكوثر" و"مهنا".. الاحتلال يستهدف أبراج غزة لتكرار استراتيجية 1948
آخرهم "الكوثر" و"مهنا".. الاحتلال يستهدف أبراج غزة لتكرار استراتيجية 1948
-
14 سبتمبر 2025, 2:24:50 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
جيش الاحتلال يُدمّر برج الكوثر السكني
متابعة: عمرو المصري
في جريمة جديدة تعكس حجم الإصرار الإسرائيلي على استهداف الحياة المدنية في قطاع غزة، أقدمت طائرات الاحتلال، اليوم الأحد، على قصف برجين سكنيين في حي الرمال غرب مدينة غزة، ما أدى إلى تدميرهما بالكامل فوق أحلام مئات العائلات. الهجوم لم يكن مفاجئًا لسكان المدينة الذين باتوا يترقبون الدور على منازلهم، لكنه جاء كجزء من سياسة منظمة تتعمد تحويل الأحياء المأهولة إلى ساحات أنقاض.
برج الكوثر، أحد أبرز المباني السكنية في المنطقة، كان يضم عشرات الشقق التي تأوي عائلات نازحة فقدت بيوتها في جولات القصف السابقة، ليجد هؤلاء أنفسهم اليوم مشرّدين مرة أخرى بلا مأوى. المشهد تكرر مع إنذارات وزّعتها قوات الاحتلال قبل ساعات من الهجوم، أجبرت السكان على إخلاء ممتلكاتهم تحت تهديد السلاح الجوي، وهو السيناريو الذي عرفته غزة مع عشرات الأبراج السكنية التي سقطت خلال الأشهر الماضية، في عملية تهجير قسري متكررة.
سياسة ممنهجة
القصف لم يتوقف عند برج الكوثر، إذ شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارات أخرى على برج مهنا السكني، متعدد الطوابق، الواقع في شارع الرباط غرب مدينة غزة، ما أدى إلى انهياره بالكامل. وبين الركام وأصوات الانفجارات، عاش المدنيون لحظات من الذعر الجماعي، خصوصًا أن المنطقة تضم مؤسسات خدمية وتجارية ومرافق أساسية يعتمد عليها السكان. هذا الاستهداف المتعمد للمباني المدنية يعكس – وفق محللين – إصرار الاحتلال على معاقبة المجتمع الغزّي برمته، عبر تدمير مقومات الحياة الأساسية وإبقاء السكان في دائرة نزوح لا تنتهي.
استهداف البنية المدنية
وفي سياق متصل، دمّرت غارات إسرائيلية بناية سكنية بجوار مدرسة بطريركية الروم الأرثوذكس قرب "كيرفور" بحي تل الهوى جنوب غربي غزة، لتتسع دائرة الاستهداف وتطال مؤسسات تعليمية ودينية محيطة، بما يبرهن أن العدوان لا يفرّق بين بيت آمن ومدرسة أو حتى مكان عبادة. هذه الضربات المركّزة على الأبراج والبنى التحتية المدنية تُظهر أن الاحتلال يسعى إلى تفريغ أحياء كاملة من سكانها، وتحويلها إلى مناطق مدمرة غير قابلة للحياة، في عملية وصفتها تقارير حقوقية بأنها جزء من سياسة الإبادة الجماعية التي تُنفذ بخطوات منهجية.
غياب الردع الدولي
المشهد الذي يتكرر يوميًا في غزة يضع المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي صارخ، إذ تُرتكب جرائم استهداف المدنيين والأحياء السكنية على مرأى ومسمع من العالم، بينما تظل المواقف الرسمية محصورة في بيانات شجب لا تتجاوز حدود الورق. وفي ظل صمت المؤسسات الدولية، يجد الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة حرب تستهدف وجودهم المدني، حيث يتحول البيت إلى ركام، والحي إلى أنقاض، والعائلة إلى نازحين لا يعرفون أين ستكون المحطة التالية للجوء.
تطهير عرقي مقنّع
يرى محللون أن استهداف الأبراج السكنية في قلب مدينة غزة لا يمكن فصله عن المحاولات الإسرائيلية المستمرة لدفع السكان إلى الهروب قسرًا نحو المجهول. فبعد أن أعلن الاحتلال مرارًا عن نيته السيطرة على مدينة غزة، اصطدم برفض شعبي واسع للبقاء والصمود داخلها، ما أفشل عملياته الميدانية وأفقده القدرة على فرض واقع الاحتلال المباشر. ومن هنا جاء خيار القصف العنيف والمركز على الأبراج والأحياء المأهولة، كأداة ضغط تهدف إلى خلق جحيم يومي لا يُطاق، يرغم العائلات على النزوح الجماعي.

هذه السياسة التي تتعمد تحويل المساكن إلى أنقاض، وتجعل الحياة المدنية في غزة مستحيلة، لا تخرج – وفق توصيف حقوقيين – عن كونها جريمة تطهير عرقي مكتملة الأركان. فالاحتلال لا يكتفي بالقتل الميداني، بل يسعى إلى تفريغ المدينة من أهلها عبر معادلة بسيطة: إمّا البقاء تحت القصف والركام، وإمّا الرحيل عن المدينة. غير أن إصرار سكان غزة على التشبث بأرضهم ومنازلهم حتى الرمق الأخير يجعل الاحتلال يعيش حالة من السعار العسكري، تتجلى في قصف هستيري للأحياء السكنية، في محاولة يائسة لتحقيق ما عجزت عنه قواته على الأرض.
تهجير قسري متكرر
ما يجري اليوم في غزة يعيد إلى الأذهان بوضوح ما حدث عام 1948، حين لجأ الاحتلال الصهيوني إلى القصف والمجازر المنظمة لإفراغ القرى الفلسطينية من سكانها الأصليين. يومها، لم تكن المسألة مجرد معارك عسكرية، بل سياسة ممنهجة استهدفت المدنيين لإجبارهم على الرحيل وترك أراضيهم، وهو ما أسس لنكبة فلسطين وتهجير مئات الآلاف. واليوم، يُعاد إنتاج ذات السيناريو داخل مدينة غزة، عبر قصف الأبراج السكنية والأحياء المكتظة، في محاولة لفرض معادلة نزوح جماعي تفتح الباب أمام "تهجير صامت" على غرار ما حدث قبل سبعة عقود.

لكن الفارق الأساسي أن التهجير هذه المرة يتم على الهواء مباشرة، العالم بأسره يشاهد الجرائم في بث مباشر، ما يجعل هذه السياسة الإسرائيلية أكثر فجاجة وأشد افتضاحًا، بينما يكتفي العالم بالمشاهدة.. إن الإصرار على تحويل غزة إلى مدينة أشباح لا يعكس إلا مأزق الاحتلال وعجزه عن فرض سيطرته ميدانيًا، فيلجأ إلى خيار الترهيب الدموي على أمل تحقيق ما عجز عنه بالسلاح المباشر. غير أن صمود السكان، ورفضهم ترك بيوتهم رغم أنقاضها، يُسقط الرهان على إعادة إنتاج نكبة جديدة، ويكشف أن مشروع التهجير، مهما بلغت وحشيته، لن يمر بالسهولة التي يتخيلها قادة الاحتلال.








