-
℃ 11 تركيا
-
6 سبتمبر 2025
ا. د. إبراهيم جلال فضلون يكتب: من قلب الألم كلنا صمود وأبو زبيدة
ا. د. إبراهيم جلال فضلون يكتب: من قلب الألم كلنا صمود وأبو زبيدة
-
1 سبتمبر 2025, 8:43:56 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
رامي أبو زبيدة
إنها الصامدة.. غزة.. دمٌ يُسفك مرتين: بين قصف المستشفيات وصمت العالم وأنين شعب، بكتب كل ثانية فصلًا جديدًا من المأساة. وأصوات القصف تختلط بأنين الجرحى، والركام يحجب ما تبقى من ملامح الحياة. وبينما يسقط الشهداء بالعشرات، ينشغل العالم بالجدل، تاركًا الحقيقة صارخة على شاشات التلفاز: إبادة ممنهجة لشعب بأكمله.
فمن بغداد إلى غزة.. خط دموي واحد، ومنهما للبنان وسوريا، هناك خيطًا واضحًا يصل بين الماضي والحاضر واللامساءلة الغربية الدولية لتكون غزة امتداد لنهج عالمي وليس استثناءً، يشرعن الحروب ويغضّ الطرف عن جرائمها. هنا تكمن خطورة المشهد: الاحتلال الإسرائيلي يواصل سياسة الأرض المحروقة، وهو مطمئن أن العالم سيكتفي بالإدانة اللفظية، دون أن يتحرك لوقف المجازر. التي كان أحدثها مجزرة في مشهد يتكرر ضمن حملة إبادة ممنهجة، في بيت عائلة أبو زبيدة بمخيم البريج، راح ضحيتها: والدة الزميل الإعلامي الدكتور رامي، أخوه محمد وزوجته، شقيقتاه ليلى وإسلام، وطفليهما جاد وجود. لحظة قصف واحدة كانت كافية لإلغاء وجود عائلةٍ بكاملها، وطمس تاريخها الحي، وتحويل بيت مليء بالذكريات والحنان إلى ركام وأشلاء.
هذه الفاجعة ليست حادثًا منعزلًا، بل حلقة متتالية من سياسة إبادة ممنهجة تستهدف غزة وشعبها. الاحتلال لا يكتفي بقتل الفرد؛ بل يدمّر البنية الاجتماعية والعاطفية للأسر، ويطمح إلى محو ذاكرتها الجماعية. دماء عائلة أبو زبيدة، مثل المئات من العائلات في غزة، تحولت إلى صرخة تحمّل العالم مسؤولياته، وتؤكد أن الرواية الفلسطينية لا تموت مهما حاول القصف أن يصمتها.
في هذا السياق، تشكل شهادات المؤسّرين الأحياء مثالًا مؤثرًا. الدكتور رامي، رئيس تحرير "180 تحقيقات"، الأسير المحرّر، يجسّد هذا الصمود: بعد أن قضى سنوات في المعتقل يُعذَّب، خرج ليجد بيته رمادًا وأحبَّائه شهداء. لكنه لم يشعر بالهزيمة؛ بل رفع صوته قائلاً: الاحتلال لم يفلح في إضعاف الأسرى، ولن يفلح في كسر شعبٍ كامل.
أرقام مأساوية تكشف عمق الكارثة
في ظل هذه الجريمة، تساعد الإحصائيات في رسم الصورة الكاملة:
- عدد القتلى وفق رويترز: تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين في غزة 60,000 شخصًا بحسب وزارة الصحة بغزة، حتى أواخر يوليو 2025 ، هذا المعدّل يعادل مقتل شخص كل 37 نسمة من السكان، بمتوسط 91 وفاة يوميًا .
- عدد الجرحى: تجاوز عدد الجرحى 145,000 ، بينما تقدر الإصابات الإجمالية بأكثر من 156,700 (
- التهجير القسري وفق هيومن رايتس ووتش : نحو 1.9 مليون فلسطيني (أكثر من 90%) كانوا مشردين داخليًا داخل غزة بحلول أكتوبر 2024 . منذ مارس 2025، نزح أكثر من 436,000 شخص إضافي.
- الجوع المتعمّد: إعلان المجاعة في أجزاء من غزة (IPC Phase 5) بات حقيقيًا؛ إذ يُتوقع أن 640,000 شخص إضافي سيصلون إلى مستويات مجاعة بين منتصف أغسطس ونهاية سبتمبر 2025، حتى منتصف أغسطس، أكثر من 217 حالة وفاة بسبب الجوع بينها 100 طفل (.
- موت طالبي المساعدة: منذ مايو، أكثر من 1,000 شخص لقوا مصرعهم أثناء سعيهم للحصول على الغذاء في مواقع توزيع مساعدات، بحسب مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. كما قُتل 1,373 شخصًا أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات (.
إن مشهد الوجع والتمحور حول عائلاتنا وعائلة أبو زبيدة ليست حالة استثنائية، بل نموذج لما أحدثته آلة القتل المنظّم في غزة، عبر استهداف متكرر للعائلات : بدءًا من “بيت الحاج سمير”، الذي جُرّد من حياته بالكامل، وامتد الأذى ليشمل أجيالًا وأصدقاء وعائلة واسعة. ثم تكررت الجريمة عبر ضربات متتالية، رموزا لإبادة ممنهجة تستهدف كل الروابط الحيّة للمجتمع. لتكون هذه الهجمات ليست مجرد كوارثٍ عشوائية، بل سياسة واضحة لإفراغ غزة من أهلها، ولطمس وجودهم كأفراد ومجتمعات، لكن الصمود ينبع من الجراح، فالدكتور رامي، رغم ما عاناه شخصيًا، يُمثل روح الشعب الفلسطيني الذي لن تنطفئ جذوة مقاومته، ولن تنكسر ذاكرته.
إن المأساة تسكن في كل جدار، في كل شارع، وفي كل بيت مهدّم، تتجلى فيه صورة الاحتلال الإسرائيلي، كامرأة لعوب، مريضة نفسيًا، تدّعي المثالية لتنقذ العالم، لكنها في الواقع تحرك الأحداث على الأرض بوحشية مميتة. تتنقل بين الضحايا كحباري الموت، تتغذى على دمائهم، وتعيش في كنف مأساة مستمرة، مستغلة صمت العالم لتستمر في لعبتها المميتة. فمن مجزرة بيت عائلة أبو زبيدة في مخيم البريج، إلى القصف الدموي على مستشفى الشفاء ومجمع غزة الطبي، مرورًا بمجزرة بيت الحاج سمير حيث أزهقت عشرات الأرواح، تتحول كل مجزرة إلى جزء من لعبة رمزية مروّعة. كل دم يسيل، كل صرخة ألم، كل بيت يُمحى، هي خطوة في هذه اللعبة التي تحاول فيها تدمير الإرادة الفلسطينية، لكنها تصطدم بصمود الشعب الفلسطيني وبصوت حياة لا يُمحى.
هذه المرأة الرمزية، المُدعية المثالية، لا تكتفي بالقتل الجسدي، بل تستهدف الروح والذاكرة، متلاعبة بالشعوب العربية، محوّلة كل مأساة إلى عرض دموي على خشبة العالم. ومع ذلك، يبقى الصمود الفلسطيني قائمًا، ويظل صوت الحياة أقوى من كل آلة حرب، مؤكّدًا أن غزة ليست مجرد جغرافيا تُقصف، بل حكاية شعب يصنع المقاومة من بين الركام.
وختاماً: عائلة أبو زبيدة، كغيرها من العائلات، دفعت ثمنًا بشريًا باهظًا: في لحظة صمت تسكن مدينة غزة، يُطل صوتُها، صارخًا في وجه العالم: "غزة ليست مجرد جغرافيا تُقصف؛ إنها حضارة وصمود وشعب لا يُمحى."
كل رقم في هذه الحرب من عدد الشهداء إلى النازحين والجياع—هو ليس فقط إحصاء، بل وجه، وحياة، وقصة تستحق أن تُروى. والقيد لا يُكسر بالقصف، والإرادة لا تُقهر بالآلة العسكرية مهما عظُمت.









