د. إبراهيم جلال فضلون يكتب: ألبانيز.. المرأة الثرثارة نبض خارج السرب

profile
د. إبراهيم جلال فضلون أستاذ العلاقات الدولية
  • clock 26 أغسطس 2025, 10:07:28 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
د. إبراهيم جلال فضلون يكتب: ألبانيز.. المرأة الثرثارة نبض خارج السرب

في قاعة فندق عتيق بالقاهرة، حيث الثريات القديمة والواجهات الزجاجية الملونة، وقفت امرأة إيطالية بنظارة رصينة وشعر فضي ممزوج بالسواد، كانت أولى صورها عن الشرق الأوسط مشاهد مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982. تلك اللحظة حفرت في ذاكرتها سؤالاً واحداً: لماذا يُعاقَب الفلسطينيون دوماً؟، لتقول بجرأة ما لم يقله كثير من قادة العالم: "إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة، والغرب شريك في الجريمة."

 

إنها ليست ناشطة عابرة، بل فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي تحولت منذ حرب غزة في أكتوبر 2023 إلى صداع يومي لبنيامين نتنياهو وحلفائه، وظلت تحمل هاجساً واحداً: قضية اللاجئين الفلسطينيين. بل كتبت عنها كتاباً مرجعياً صدر عن جامعة أكسفورد عام 2020.. وبصوت خارج السرب، منذ توليها منصبها في 2022، لم تتوقف ألبانيز عن كسر الرواية الغربية، فوصفت الاحتلال الإسرائيلي بـ"الفصل العنصري"، وأكدت أن "حماس قوة سياسية وليست مجرد جماعة مسلحة"، لتكتب تقريرا في مارس 2024، نشر بعنوان "تشريح الإبادة الجماعية"، اتهمت فيه إسرائيل بارتكاب إبادة ضد سكان غزة الذين فقدوا أكثر من 39 ألف شهيد و90 ألف جريح خلال الحرب. وفي يوليو 2025، وهو ما يمنح خطابها مصداقية لدى قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي. لتكون قنبلة اتهام لأكثر من 60 شركة عالمية، بينها "لوكهيد مارتن"، بالاستفادة مالياً من استمرار الحرب.

 

لكن كلماتها لم تمر مرور الكرام ليأتيها الجزاء الإسرائيلي بمنعها من دخول أراضيها، وأميركا ذهبت أبعد من ذلك. ففي يوليو 2025 فرضت إدارة ترامب عقوبات مباشرة عليها، لتصبح أول مقررة أممية في التاريخ تُعاقب لأنها تكلمت. جُمّدت أصولها، ومنعت من دخول الولايات المتحدة، وهو ما وصفته الأمم المتحدة بأنه انتهاك صارخ لاتفاق 1946 حول حصانة موظفي المنظمة، إذ أعرب الاتحاد الأوروبي عن أسفه العميق، بينما وقّع 38 خبيراً أممياً بياناً يندد بالقرار ويعتبره تهديداً خطيراً لحرية المدافعين عن حقوق الإنسان.

 

إنها المرأة الحديدية التي ردّت قائلة: "لن أتوقف، هذا يخيفهم أكثر من أي شيء". لتدفع الغرب إلى مراجعة مواقفه، بينما يكتفي كثير من القادة ببيانات شجب باهتة، وقفت هذه الإيطالية وحدها في مواجهة واحدة من أعقد الملفات الدولية. هي ليست فلسطينية، ولا عربية، لكنها أدركت أن العدل لا يُجزّأ. ولهذا يخشاها نتنياهو، وتتحسس منها العواصم الغربية، لأنها ببساطة تقول الحقيقة بلا خوف في وقت تتعالى فيه أصوات المطالبة بالعدالة لفلسطين، لتظل ألبانيز شاهداً على أن كلمة واحدة قد تكون أحياناً أخطر على الاحتلال من ألف رصاصة.

 

سواء رآها العالم "مناضلة شجاعة" أو "متحيزة صاخبة"، تبقى ألبانيز رقماً صعباً في معركة الرواية. فهي ليست مجرد "ثرثارة صاخبة" كما يصفها خصومها، ولا امرأة لعوب ترتمي بين هذا وذاك. إنما هي صوت شجاع يقف في وجه آلة الاحتلال، بينما يعتبرها خصومها مجرد "مثرثرة صاخبة" تفتقر للحياد. امرأة قررت أن تكون صوتاً للفلسطينيين حين صمت الجميع، وسط عالمٍ يساوم على العدالة، يظل وجودها تذكرة مؤلمة بأن الغرب يخشى الحقيقة، وأن امرأة إيطالية فعلت ما لم يفعله الكثيرين.

 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)