د. إبراهيم جلال فضلون يكتب: نَخّ الجمل.. واخّتل الأخضر والفيدرالي

profile
د. إبراهيم جلال فضلون أستاذ العلاقات الدولية
  • clock 22 أغسطس 2025, 11:06:04 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

قد تؤدي خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرسوم الجمركية المتبادلة إلى قلب التجارة العالمية رأساً على عقب بطريقة غير مسبوقة، والتي اتسمت بالعديد من الإعلانات بشأن التعريفات الجمركية، والعديد من التراجعات أيضاً، حيثُ أثار القرار بفرض رسوم جمركية "مضادة" مخاوف من تداعيات جسيمة على الاقتصاد الدولي والتجارة العالمية في إطار الوفاء بوعده الانتخابي "العين بالعين"، لأسباب تحت ذرائع الأمن القومي، أو التجارة غير العادلة، أو بموجب صلاحيات اقتصادية طارئة.. ليتبجح الشعبوي ترامب قائلاً عن الانتقادات المتزايدة التي انهالت على البيت الأبيض خلال الأسبوع الماضي: "كانوا يصرخون، كانوا يصرخون قليلًا، ويشعرون بقليل من الخوف".. مُصراً أن "سياساتي لن تتغير أبدًا".

وبموجب قواعد منظمة التجارة العالمية الحالية، تُطبق أكثر من 160 دولة عضو في المنظمة التعريفات الجمركية دون تمييز، على الرغم من وجود بعض الاستثناءات، مثل اتفاقيات التجارة الحرة والاتحادات الجمركية. وبهذا الزعم الأمريكي المُتخبط حتى مع الفيدرالي جعلهُ يزعم أن العديد من البلدان تفرض رسوماً جمركية أعلى على البضائع الأمريكية مقارنة بالرسوم التي تفرضها الولايات المتحدة على سلعها "بما يخلق اختلالاً في التوازن" مثل الهند تفرض الهند تعريفات جمركية أعلى من الولايات المتحدة بنسبة تتراوح بين 5 بالمئة و20 بالمئة على 87 بالمئة من السلع المستوردة، حسب بيانات منظمة غلوبال تريد أليرت المعنية بتقييم سياسات التجارة، بل ومتعمداً إجبار القوى الكبرى، مثل الصين والاتحاد الأوروبي، على خفض رسومها الجمركية، مع رغبته في فرض الضرائب على الواردات الأجنبية بما يحقق مبدأ المعاملة بالمثل على مبدأ "أمريكا أولاً" مع تحسين القدرة التنافسية للمصنعين الأمريكيين.

إن الولايات المتحدة تستفيد من وجود اختلالات تجارية كبرى مع بقية العالم، عبر الأخضر السوقي أي الدولار، العملة الاحتياطية العالمية بحكم الأمر الواقع، في معظم التجارة، وهو ما يوفر رياحاً داعمة كبيرة للاقتصاد الأمريكي، لتُقابله أكبر دول العالم بالبريكس مثلاً، لاسيما وفشل اليورو حالياً، لتكون النقمة على الأسواق الناشئة التي سوف تكون الأكثر تضرراً، بما في ذلك الهند والأرجنتين ومعظم دول أفريقيا وجنوب شرق آسيا. كما يُريد ترامب كذلك استهداف عوامل أخرى قال إنها تضع المنتجين الأمريكيين في وضع غير تجاري غير منافس، مثل الدعم الحكومي، وضريبة القيمة المضافة، وخفض قيمة العملة، والحماية المتراخية للملكية الفكرية.. وهو ما له أثر مباشر على تأجيج التضخم. فبعد موجة من التضخم استمرت لسنوات في أعقاب جائحة كوفيد-19، شهد التضخم في الولايات المتحدة انخفاض كبير، بسبب رفع أسعار السلع الاستهلاكية المستوردة.

والنتيجة، تصعيد المخاوف من اندلاع حرب تجارية عالمية، وخلق حالة عميقة من عدم اليقين في العديد من الصناعات وفي العديد من البلدان. وإشعال موجة جديدة من المفاوضات التي قد تؤدي إلى تخفيض الرسوم المفروضة على الصادرات الأمريكية.

فبالنسبة لمصر لا أري أن التعريفات الأميركية فرصة جيدة لاقتصاد البلاد، لاسيما في ظل الحرب الإسرائيلية الأمريكية والتوترات الإقليمية المستهدفة مصر بالذات، وبالتالي على الحكومة المصرية الاستفادة من هذه الرسوم في تكوين تحالفات اقتصادية جديدة ومنقذة، فالفرصة سانحة الآن أمام مصر لتقديم برنامج سريع لجذب الاستثمارات من دول العالم، وإمكانية توطين صناعات يمكن تصديرها بعد ذلك للسوق الأميركية بتعريفة جمركية أقل وهي الـ10% المفروضة على مصر، فمثلاً فُرض على الصين جمارك بنسبة 34%، وقد يكون أكثر من ذلك في بعض الأنشطة الأخرى، لذا يمكن لمصر أن تقدم وتنتج بعض السلع والمنتجات الصينية من خلال المنطقة اللوجستية في العين السخنة، مع منح بكين والمستثمرين الصينيين تسهيلات كبيرة لمزيد من الاستثمارات الصينية وتصدير منتجات بكين المصنعة في مصر للسوق الأميركية، بتعريفة جمركية أقل من المفروض على مثل هذه المنتجات لو أنتجت وخرجت من الصين مباشرة، ما سيعود بالنفع على السوقين المصرية والصينية سوياً، وكذلك يمكن أن تقدم مصر فرص استثمارية للاتحاد الأوروبي، فالأيدي العاملة في مصر رخيصة وسعر الصرف رخيص مقارنة بالدولار واليورو وهو ما قد يجذب الكثير من الاستثمارات المباشرة.

إن مصر تمتلك عناصر جذب للاستثمارات الأجنبية المباشرة، لذا من الممكن أن تكون منطقة إنتاج وتوزيع ومصدر لسلاسل الإمداد والتوحيد العالمية، وهناك تجارب سابقة مماثلة نجحت في استغلال مثل تلك الفرص كفيتنام والمكسيك والهند الذين استفادوا من التصعيد بين بكين وواشنطن. وليست مصر ولا غيرها فقط بل أشقائها بالخليج العربي وأسواق الشرق الأوسط، خصوصًا في ظل الترابط القوي مع الأسواق العالمية، ما يجعل هذه الصادرات معرضة لقيود مباشرة قد تؤثر على إيراداتها ونمو صناعاتها التحويلية. إضافة إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي نتيجة لتلك الرسوم قد يؤدي إلى تراجع الطلب على النفط، ما يُشكل ضغطًا إضافيًا على موازنات الدول المنتجة للنفط في المنطقة.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)