د. إبراهيم جلال فضلون يكتب: الواهم المختل والمادة (5/32)

profile
د. إبراهيم جلال فضلون أستاذ العلاقات الدولية
  • clock 16 أغسطس 2025, 5:09:14 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
د. إبراهيم جلال فضلون يكتب: الواهم المختل والمادة (5/32)

رحى الصراع بين الكبار في الغابة الواسعة إرث تتوارثه أجيال جيل بعد جيل، ليُعيد التاريخ نفسه، حيث ظهرت حضارات عظيمة، واندثرت، ليمحوا جمالها ويلوث بيئتها ويحولها من غابة جميلة تحوي الوحوش بشراستها وتحوي براءة الطيور وطيبة البشرية وعنجهيتها وظُلمها وحقدها إلى أطلال وأشباح يبكي عليها من تغنى بها يومًا ما واستمتع بهدوءها وضجيجها وجمال رونقها ونسيم هوائها!!، ليتسقط الأقنعة بما آلَ إليه الوضع الراهن من تحركات دراماتيكية وسياسية في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم، ليفرض القوي شروطه منذ الخليقة وعبر العصور المختلفة، ففي الصورة البدائية كان يتم عن طريق الاجتياح وتخريب الديار للحصول على المكاسب المادية ومصادر المياه، كمكاسب اقتصادية ثم يعود كل من حيث اتى بعد ان يحقق أهدافه، وتطور الأمر حيث تشكلت الدول وصار لها حواضر وبواد وتخوم، ثم تحالفات صغيرة رغم التزامن مع منهجية علمية عقلية تدعو الى التوحيد ونشر المبادىء والثقافة الدينية التي ارسلها الله الى رسله، في محدودية المكان إلى ان جاء خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم ليتحول بها العرب الرعاة الى قادة للتحضر، وبدايات الفتح الاسلامي على مر القرون حتى جعلوا ما بين الصين والاندلس واطراف اوروبا واواسط افريقيا دولة يحسب لها الف حساب، عربية إسلامية صنعت الفكر ووضعت اللبنات الاولى في سلم العلوم الدنيوية التي بنى عليها الغرب علومه حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه.

 

لكن تحول لمد وجزر على اساس ديني بين الصليبية العالمية والإسلام حتى بدأ يتشكل العالم الحديث الذي بلور اسلوبا جديدا للصراع عبر مرحلة الاستعمار ومص دماء الشعوب عن طريق الاحتلال القسري للبلاد واستعباد الناس بأساليب وطرق مختلفة كُنا نحنُ السادة ضحايا لها للآن، عبر استخدام الاسلوب النفسي المؤثر والمتمثل بتبني شعارات مضادة للاستعمار وخلق عدو مجهول معلوم، بإعلام زائف مضلل سرنا وراءه ماسورين، وقد تمكن السوس منا وبدأت مرحلة شرطي العالم، وقد قرروا عصابتها والاوروبيين نسيان الماضي، والحديث عن مصالحهم التي يُهددها المارد الامريكي الهائل، فما بالك بالدول الصغيرة التي يتم حصارها، لنرى انهيارات تتابعية لجميع الأوضاع، من انهيارات تفكك تشيكوسلوفاكيا، للحرب الأميركية في أفغانستان وهزيمة أميركا بالانسحاب منها، والغزو الأميركي للعراق 2003، وظهور كيانات أخرى من تحت الركام، يمكنها تغيير السياسة العالمية وظهور هيئة عالمية جديدة لإعطاء مصداقية أكثر بعد أن فقدت الهيئة العالمية الحالية والتي تحت مسمى منظمة الأمم المتحدة هيبتها، والفترة القادمة كفيلة في غياب وظهور دول وكيانات، أدخلت الإرباك والشك والحيرة إلى مضاجع العالم بحروب أرهقت دولاً إقليمية وعالمية، لينقلب السحر على الساحر بقبضة من حديد، جعلتها تنكمش أو لم يبقَ لها وجود، وكأننا في زماننا القديم نُشاهد عبر التلفزيون بلونيه الأبيض والأسود برامج متنوعة، كان أصدق برامجه عن الحيوانات المفترسة التي تعيش في الغابات وكيف يكون الصراع بين الأسود والنمور والضباع وكيف تكون الغلبة ونهاية الضعيف !!ولم نفكر أن نراها في الواقع بين البشر وانسانيتهم، علما أن الله قد ميزهم عن الحيوانات بالنطق والعقل، لنعيش في تلك الغابة الكبيرة بحلتها الجديدة  ذات الألوان الزاهية والمشاهد القاسية، لاسيما ما نراه بغزة وصل لحصار وجوع وتشريد بأقصى أنواع الحيوانية، ليخرج علينا "نتن ياهو" مُتحدثاً عن أوهام لا توجد سوى في مخيلته وعقلية الواهم المختل، معتقداً أنه في مهمة تاريخية وروحانية لرؤية إسرائيل الكبرى التي رسم خريطة حدودها داخل عقله الواهم المختل، وصعوده على أجساد الأبرياء وبطونهم الخاوية، يقابله خوف من الصغار اللذين غالباً من خوفه يسلك طرقات ضيقة ومنعطفات خطرة لا يستطيع الكبير اللحاق به في الغابة الواسعة التي تاه فيها الشارع العربي الذي كان نموذجاً يُحتذى به في الإنسانية والعمل الســياسي العـالمي، من واقع تراثه الذي حكم به العالم يوما من الأيام.

 

والآن نرى اللعبة الجديدة حيثُ أخرج ترامب صديقه بوتين من عزلة فرضتها العواصم الغربية منذ أن أطلق عمليّته الخاصّة ضدّ أوكرانيا 2022. ولكن الواقع أن انسداداً خطيراً وصلت إليه الحرب في قلب أوروبا ولا خروج منها إلّا بحرب كبرى مهما كانت الاتفاقيات، التي كان أخرها قمة ألاسكا.. فلا اتفاق قبل التوصل إلى اتفاق، ولا أمان غلا بحرب وفرض السيطرة.

فهل يصبح العالم العربي قطبا عالميا يؤخذ بالحسبان ضمن التوازنات الدولية خصوصاً انه مصدر الطاقة العربية الإسلامية ومحرك للاقتصاد العالمي، قدراته البشرية، وموقعه الاستراتيجي الذي لا يوجد له مثيل.. لتبرز منها رؤية حاذقة جعلت من الجزيرة العربية محط أنظار لفتت إليها طاقات العالم الاستثمارية في الشرق الأوسط من مصر والسعودية محورا الكون النشاط والحلول الحالية.. وبالتالي الأمل معقود على تفعيل العمل العربي المشترك والحذو حذو الدول التي تخطط للمستقبل بصورة جماعية. لكن ما يغيظ الانسان العربي هو ان دول العالم نسيت او تناست جراح وحروب الامس القـريب في سبيل المصلحة الاكبر وهي صنع المستقبل المشرق لها بينما العرب لا ينسون خلافاتهم حتـى وان كانت قديمـة قدم حرب داحس والغبراء التي لازالوا يتذكرونها ولازال بعضهم يهيم بذبيان والآخر يمتدح عبساً. والله المستعان.

 

التعليقات (0)