"معركة الباراسيتامول": علماء يعارضون توصية ترامب بمنع العقار عن الحوامل لتسببه في التوحد

profile
  • clock 23 سبتمبر 2025, 2:44:17 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
قال ترامب إن تناول المادة الفعالة في عقار تايلينول "ليس جيدا"، على الرغم من أن العلماء يرفضون هذا الادعاء

قال تقرير صحفي إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن عن توصية مثيرة للجدل تقضي بعدم وصف عقار "تايلينول" (الباراسيتامول) للنساء الحوامل، مشيرًا إلى وجود علاقة محتملة بين استخدامه أثناء الحمل وزيادة خطر إصابة الأطفال بالتوحّد. وجاء الإعلان يوم الإثنين من داخل المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، بحضور وزير الصحة روبرت إف. كينيدي جونيور، وهو ما أثار صدمة في الأوساط الطبية والعلمية، التي سارعت للتحذير من خطورة هذه التوصية وما قد تسببه من بلبلة لدى النساء الحوامل.

إعلان البيت الأبيض

وزعم ترامب أن تناول الباراسيتامول – المعروف في أمريكا باسم "أسيتامينوفين" – "ليس أمرًا جيدًا"، موضحًا أنه يجب أن يقتصر استخدامه لدى النساء الحوامل على حالات الحمى الشديدة فقط. واستشهد ببعض الدراسات التي تحدثت عن علاقة بين تناول تايلينول (العلامة التجارية) أثناء الحمل وزيادة احتمالية التوحّد، رغم أن هذه الدراسات غير متسقة ولم تصل إلى نتائج قاطعة.

كبسولات تايلينول

في الولايات المتحدة، المنتج الأكثر شعبية الذي يحتوي على الباراسيتامول أو الأسيتامينوفين هو العلامة التجارية تايلينول.

شركة كينفيو، المصنعة لدواء تايلينول، سارعت للدفاع عن منتجها، مؤكدة أن "العلم المستقل والرصين يوضح بجلاء أن الأسيتامينوفين لا يسبب التوحّد". وأضافت في تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أنها ترفض تمامًا أي إيحاء بخلاف ذلك، مشيرة إلى أن حرمان الحوامل من الدواء سيعرضهن لاختيارات خطيرة بين تحمّل الألم والحمّى أو اللجوء إلى بدائل أكثر خطورة. ورغم هذا الدفاع، هبطت أسهم الشركة بشكل حاد بعد إعلان البيت الأبيض.

توصيات صحية متناقضة

خلال المؤتمر ذاته، أعلن وزير الصحة روبرت كينيدي جونيور أن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) ستصدر تحذيرًا رسميًا للأطباء بشأن "المخاطر المحتملة" لاستخدام تايلينول في أثناء الحمل، إلى جانب بدء إجراءات لتعديل نشرة السلامة الخاصة بالدواء، وإطلاق حملة توعية عامة. لكن الكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد اعترضت بشدة، وأصدرت بيانًا قالت فيه إن توصية البيت الأبيض "لا تستند إلى الأدلة العلمية كافة، وتبسط بشكل خطير الأسباب المتعددة والمعقدة للاضطرابات العصبية لدى الأطفال".

وفي الوقت نفسه، كشف كينيدي أن الـFDA ستقر قريبًا دواء "لوكوڤورين"، وهو عقار قديم يُستخدم لحماية مرضى السرطان من سمّية العلاج الكيماوي، كعلاج للأطفال المصابين بالتوحّد. وأوضح مفوض الوكالة، مارتي مكاري، أن قرار الموافقة مبني على أبحاث تشير إلى أن هذا العقار – وهو شكل من أشكال فيتامين B – يمكن أن يساعد الأطفال الذين يعانون من نقص حمض الفوليك على تحسين قدراتهم في التواصل اللفظي.


روبرت ف. كينيدي جونيور يتحدث من البيت الأبيض
منذ تعيينه وزيراً للصحة، أطلق كينيدي جونيور ادعاءات تتناقض مع الدراسات العلمية السائدة

أزمة البحث عن الأسباب

ترامب وصف ارتفاع معدلات تشخيص التوحّد بأنه "أزمة فظيعة" وموضوع يثير قلقه البالغ. وكان كينيدي قد تعهّد في أبريل الماضي بإطلاق "جهد ضخم من الدراسات والاختبارات" لتحديد أسباب التوحّد خلال خمسة أشهر. غير أن خبراء وأطباء حذروا من أن فهم أسباب هذا الاضطراب المعقد لن يكون سهلًا، حيث تشير غالبية الأبحاث إلى أنه لا توجد "سبب واحد مباشر"، بل هو نتاج تفاعل معقّد بين العوامل الوراثية والبيئية.

تضارب الأدلة العلمية

الكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد شددت على أن الأطباء في مختلف الولايات ظلوا يوصون لسنوات باستخدام الباراسيتامول كخيار آمن لتخفيف الألم والحمّى لدى الحوامل، مؤكدة أنه لم تثبت أي أدلة واضحة على علاقة مباشرة بين الاستخدام الحذر للدواء وبين مشاكل النمو لدى الأجنّة. كما أن الدواء ما زال موصى به من جانب جمعيات طبية كبرى وحكومات حول العالم.

وفي أغسطس الماضي، نشرت مجموعة بحثية يقودها عميد كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد مراجعة علمية خلصت إلى أن الأطفال قد يكونون أكثر عرضة للتوحّد أو اضطرابات النمو العصبي إذا تعرضت أمهاتهم للباراسيتامول أثناء الحمل. وأوصى الباحثون بتقليل استخدام الدواء، لكنهم أكدوا في الوقت نفسه أنه يظل ضروريًا لعلاج الألم والحمّى اللذين يمكن أن يؤثرا سلبًا على الأم والجنين معًا.

بالمقابل، صدر في 2024 بحث موسع شمل بيانات 2.4 مليون طفل ولدوا في السويد بين عامي 1995 و2019، ووجد أنه لا توجد أي زيادة في خطر الإصابة بالتوحّد أو اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه أو الإعاقة الذهنية بين الأطفال الذين تعرضوا لتناول أمهاتهم للباراسيتامول أثناء الحمل.

غياب الحسم العلمي

قالت الخبيرة مونيك بوثا، أستاذة علم النفس الاجتماعي والنمو في جامعة دورهام، إنه "لا توجد أدلة قوية أو دراسات مقنعة تثبت وجود علاقة سببية" بين الباراسيتامول والتوحّد. وأشارت إلى أن خيارات تخفيف الألم للنساء الحوامل "محدودة للأسف"، معتبرة أن تايلينول يظل واحدًا من الخيارات القليلة الآمنة المتاحة.

وتوضح البيانات الرسمية أن تشخيصات التوحّد ارتفعت بشكل كبير منذ عام 2000، حيث بلغت نسبتها في 2020 نحو 2.77% بين الأطفال في سن الثامنة، بحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في أمريكا. ويرى الباحثون أن جزءًا من هذا الارتفاع يعود إلى زيادة الوعي بالمرض وتوسيع تعريفاته، إلى جانب دراسة عوامل بيئية متعددة. لكن الجدل يظل قائمًا، خصوصًا أن كينيدي نفسه طرح في الماضي فرضيات مثيرة للجدل حول مسؤولية اللقاحات عن زيادة معدلات التوحّد، رغم غياب أي دليل علمي يثبت ذلك.

التعليقات (0)