د.محمد الصاوي يكتب: إعتراف في ظل حرب الإبادة والتجويع.. هل تغيّر لندن قواعد اللعبة ومستقبل فلسطين ؟

profile
د. محمد الصاوي باحث في العلاقات الدولية
  • clock 21 سبتمبر 2025, 5:13:23 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
إعتراف في ظل حرب الإبادة والتجويع.. هل تغيّر لندن قواعد اللعبة ومستقبل فلسطين ؟

من وعد بلفور إلى لحظة الاعتراف

 

في عام 1917، أصدرت بريطانيا “وعد بلفور” الذي مهّد الطريق لإقامة دولة إسرائيل عام 1948. اليوم، وبعد أكثر من قرن، تقف لندن أمام مفارقة تاريخية وهي تعلن اعترافها بدولة فلسطين. القرار ليس مجرد خطوة رمزية، بل يعكس تحولات جيوسياسية واقتصادية وأمنية داخلية وخارجية متشابكة. إنه انتقال من دور “المؤسس لإسرائيل” إلى محاولة “تصحيح المسار” تجاه فلسطين، ولو بعد مئة عام من التأخير.

 

البعد السياسي الدولي–الإقليمي

 

الاعتراف البريطاني يأتي في سياق تبدلات موازين القوى بعد حرب غزة (2023–2025)، وضغوط أوروبية لإيجاد حل جذري للصراع. أكثر من 150 دولة حول العالم اعترفت بالفعل بفلسطين، بما في ذلك قوى اقتصادية وسياسية مؤثرة مثل الصين وروسيا والهند والدول العربية الكبرى. هذا الاعتراف يمنح القضية الفلسطينية بعدًا دوليًا لم يعد مجرد رمز أخلاقي، بل أداة ضغط سياسية ودبلوماسية حقيقية، ويعكس تحولًا في موازين القوى العالمية حيث أصبحت فلسطين جزءًا من حسابات القوى الكبرى.


بريطانيا – بخروجها من الاتحاد الأوروبي – تسعى لتعويض عزلتها عبر لعب دور مؤثر في الملف الفلسطيني، بما يوازن نفوذ واشنطن ويعيد تموضع لندن كقوة دبلوماسية ذات وزن.

 

البعد الاقتصادي: الغاز، الإعمار، والخليج

 

تقدَّر تكلفة إعادة إعمار غزة بعد الحرب الأخيرة بأكثر من 15 مليار دولار، مع فرص استثمارية ضخمة في مجالات البنية التحتية والطاقة. الشركات البريطانية تترقب عقودًا محتملة في هذا المسار، خاصة مع الانفتاح الخليجي على تمويل الإعمار. إضافة إلى ذلك، يبرز عامل الغاز في شرق المتوسط، حيث تسعى لندن عبر شركاتها إلى موطئ قدم في مشاريع استخراج ونقل الطاقة، ما يجعل الاعتراف بفلسطين ورقة لتعزيز ثقتها لدى الشركاء العرب والخليجيين.

 

البعد الأمني–الاستخباراتي

 

التقارير البريطانية تؤكد أن ما يقارب 80% من التحديات الأمنية الخارجية ترتبط مباشرة بالشرق الأوسط، سواء عبر موجات الهجرة، أو تهديدات التطرف، أو الأمن الطاقوي. اعتراف لندن بفلسطين يهدف إلى تخفيف حدة التوتر مع الجاليات العربية والإسلامية داخل بريطانيا، والتي تمثل أكثر من 4 ملايين مسلم (حوالي 6% من السكان)، وهو ما ينعكس أيضًا على الاستقرار الداخلي ومكافحة التطرف.

 

البعد القانوني–الأخلاقي

 

منذ عام 1947، صدرت عشرات القرارات الأممية المؤيدة لحق الفلسطينيين في تقرير المصير. الاعتراف البريطاني يضع لندن في خانة “التصحيح التاريخي” لإرث وعد بلفور، خاصة بعد انتقادات أممية متزايدة للانتهاكات الإسرائيلية في غزة. قانونيًا، بريطانيا تسعى للتماهي مع قرارات محكمة العدل الدولية، ومع الخطاب الحقوقي العالمي الذي يزداد ضغطًا على تل أبيب.

 

 البعد الحزبي–الانتخابي

 

داخليًا، تشهد بريطانيا تحولات انتخابية حساسة. الجالية المسلمة – التي تمثل نحو 4 ملايين ناخب – تملك ثقلًا حاسمًا في أكثر من 40 دائرة انتخابية، خصوصًا في لندن ومانشستر وبرمنغهام. حزب العمال، الساعي للفوز بأغلبية مريحة في الانتخابات المقبلة، يعتبر الاعتراف بفلسطين أداة لتعزيز موقعه بين الناخبين المسلمين واليسار التقدمي، خاصة مع فارق متوقع لا يتجاوز 10–15 مقعدًا في البرلمان.

أخيراً وليس آخرا 
بين الرمز والمصالح

الاعتراف البريطاني بدولة فلسطين ليس مجرد “خطوة سياسية”، بل تقاطع لخمسة اعتبارات أساسية: سياسي–دولي، اقتصادي، أمني–استخباراتي، قانوني–أخلاقي، وحزبي–انتخابي. القرار يعكس لحظة إعادة تموضع لبريطانيا، التي تحاول الموازنة بين إرثها الاستعماري القديم ومصالحها الراهنة. لكنه يظل خطوة في سياق أكبر: هل يمكن أن يشكل هذا الاعتراف نقطة تحول حقيقية في مسار الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، أم سيبقى ضمن دائرة الرمزية السياسية؟

 

التعليقات (0)