"خطاب الإنكار والصراخ: حين يتحوّل التهجم إلى وسيلة دفاع يائسة"

د. إبراهيم جلال فضلون يكتب: السر المدفون لمعتدي جنسي في البيت الأبيض

profile
د. إبراهيم جلال فضلون أستاذ العلاقات الدولية
  • clock 30 يوليو 2025, 1:43:46 م
  • eye 444
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
البيت الأبيض

لا تضيعوا الوقت على هذا الرجل، الذي يصرخ كعادته الشعبوية قائلًا في مقابلاته التي يستغلها في الدعايات المُضللة بلا حرج حتى أمام رؤساء الدول، وأمام شعبه المنهار: "لم أكتب صورة في حياتي… هذه ليست لغتي وليست كلماتي"، بل وصارخاً كالذي يتعلق في قشة، يا أنصاري دمروا كل شيء كما فعلنا في مبنى "الكابيتول"، ليلجأ لمنصته تروث سوشال التي ظن أنها قوية باكياً قائلا: "وول ستريت جورنال نشرت رسالة مزيفة، يُفترض أنها موجهة إلى إبستين.

 هذه ليست كلماتي، وليست طريقتي في التحدث. أيضا، أنا لا أرسم صورًا. أخبرت روبرت مردوخ أنها كانت خدعة، وأنه لا ينبغي له نشر هذه القصة المزيفة. لكنه فعل، والآن سأقاضيه هو وصحيفته من الدرجة الثالثة"، لتتزايد مخاوفه منها لأنها تحوي وثائق محجوبة لمرتكب الجرائم الجنسية ورسالة ذات طابع جنسي مرفقة برسم لامرأة عارية، في اتهامات تطال الرئيس الجمهوري أو شخصيات أميركية بارزة، في قصة السر المدفون بين ترامب وإبستين، بل وتزيد من تفاقم الشكوك حول نيات وزارة العدل و"FBI"، فهل تنفجر "قنبلة ماسك"؟، الذي كتب في تغريدة على منصة “X”: "حان وقت المفاجأة الكبرى: دونالد ترامب موجود في ملفات إبستين. هذا هو السبب الحقيقي لعدم نشرها. يوما سعيدا دونالد ترامب!".

 

فمع تصاعد الضغوط، يُدرك الإداري العقاري ترمب أن فقدانه للسيطرة على السرد الإعلامي سيكون كارثياً، لأنها الأقوى مهما أحاط نفسه بأكاذيبه الإعلامية والمساندة له، فالكشف عن الوثائق يعني أن الكلمة الأخيرة لن تكون له بل للإعلام، لتكون قضية رجل الأعمال الراحل جيفري إبستين، صاحب جزيرة معزولة وسط مياه الكاريبي كانت كمعقل خاص لا يخضع لقواعد أو رقابة، له وللأثرياء، تُخفي وراءها شبكة استغلال ممنهجة لقاصرات، وهو ما دعا أحد محاميه السابقين آلان ديرشويتز وزارة العدل الأميركية إلى الكشف عن مزيد من سجلات التحقيق، ومنح غيلين ماكسويل الحصانة للإدلاء بشهادتها، ليتم اختبار شفافية النظام القضائي الأميركي، بعد ادعاء امرأة عام 2005 أن ابنة زوجها البالغة من العمر 14 سنة تعرضت لاعتداء جنسي على يد رجل ثري،

 

 ومع مرور الوقت توالت الشهادات عن مئات الفتيات اللاتي قلن إنهن كن ضحايا له. وعند مداهمة منزله عثرت الشرطة على أدلة تدينه، لكن القضية تم اغلاقها مقابل سجن لـ13 شهراً فحسب، وأعيد اعتقاله عام 2019 بتهم الاتجار بالقاصرات لكنه انتحر داخل زنزانته قبل محاكمته. لتأتي شريكته غيزلين ماكسويل التي سُجنت 20 عاماً. كاشفة عن مئات الوثائق التي ضمت أسماء بارزة، من بينها دونالد ترمب وبيل كلينتون والأمير أندرو والساحر ديفيد كوبرفيلد، وأسماء ضحايا بارزات مثل فرجينيا جوفري وسارا رانسوم، وأشارت الوثائق إلى تسجيل إبستين سراً لأشرطة جنسية مع شخصيات مرموقة، بينما التزم معظم من وردت أسماؤهم الصمت.

 

ليستغل ماسك القضية منذ أن دب الخلاف بينهما وعندما وصف ماسك مشروع القانون الاقتصادي الذي يدعمه ترامب ويدعوه ترامب “القانون الجميل والضخم” بأنه “شر مقيت”، وهو ما فجر توترًا مكبوتًا، ومهّد لانفجار العلاقة بين الرجلين، لأن صداقتهما كان ظاهرًا عليها أنها ستنتهي عاجلًا أم آجلًا بالاتهامات التي تُخفي شيئاً، وبخاصة بعد تراجع الرئيس ترمب عن وعوده بكشف "الشبكة السرية"، واستخفافه بالقضية واصفاً إياها بأنها "خدعة واحتيال وهراء"، بل وطرح على مجموعة من الصحافيين سؤالاً عن سبب "الاستمرار في الحديث" عن معتد جنسي "لا أحد يهتم به". وأنه لا وجود لما يسمى "قائمة العملاء"، على الرغم من وعوده خلال حملته الانتخابية بنشر ملفات مكتب التحقيقات الفيدرالي المرتبطة بإبستين، ليواجه الآن ضغوطاً من قاعدة مؤيديه في حركة "ماجا"، وبخاصة بعد إعلان إدارته أنها لن تنشر أية وثائق إضافية.. لأن إبستين نشر صورة لترامب وفتاة عارية كتب فيها: "لدينا أشياء مشتركة يا جيفري... كل يوم هو سر رائع جديد. هل لاحظت أن الألغاز لا تشيخ؟"، وهو ما عكس اتساع الهوة بين ترمب وبعض من أبرز أنصاره.. لقد ذكرتني القضية بطبيبة صحة نفسية تلاعب بالرجال وتنام بأحضان ضحاياها دون علم أسرتها أو مجتمعها الغائب بين حبارير الموت وبين حبور القلوب السوداء.

 

ليستغل ماسك الأمر بنشر أو أعاد نشر أكثر من 35 تغريدة عبر منصته "إكس"، ركزت جميعها على انتقاد تعامل ترمب مع القضية، واصفاً ما يحدث بأنه "عملية تستر واضحة"، مستعيناً بروبوت الذكاء الاصطناعي "غروك" التابع له، لكن خلف هذا الموقف عدة اعتبارات سياسية وشخصية متشابكة، وترمب يدرك جيداً أن اسمه ارتبط بإبستين. وهو ما قد يستخدم ضده في الحرب الإعلامية. الصورة التي يظهر فيها إلى جانب إبستين كافية لتأجيج نظريات لا تنتهي، خصوصاً في ظل حملة انتخابية محتدمة، وهو ما قد يشعل حرائق داخل الحزب الجمهوري، وفي بيئة "ماغا" نفسها، بل ويربك ترمب أمام قاعدته التي طالما رأته حامياً لمشروعها السياسي، لتودي بمنظومة كاملة للإنهيار على رأسه إن فتحت على مصراعيها.

كما أن ترمب عملياً لا يملك صلاحية نشر الوثائق كاملة، إذ إنها محفوظة ضمن ملفات قضائية فيدرالية تخضع لضوابط قانونية صارمة، تجعل الإفراج عنها قراراً مؤسسياً لا رئاسياً.

إن الأخطر من كل ذلك هو احتمال استدعاء ماضيه بالكامل، حيثُ كان إبستين بالنسبة إلى ترمب أكثر من مشكلة أخلاقية... طفحت على السطح الأمريكي بفضيحة قاتلة بعد الخلاف حول صفقة العقارات، "وشى" به ترمب مبلغاً أجهزة إنفاذ القانون في فلوريدا، قبل سجن إبستين الذي وثق اعتداءات جنسية لساكن البيت الأبيض رقم (47)، فهل سيكون رقمه القادم في سجن ما، أم سيكون ذلك عقاباً لأفعاله في أبرياء غزة؟!.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)