إبراهيم جلال فضلون يكتب: سلاح الماء وحروب الغاز

profile
د. إبراهيم جلال فضلون أستاذ العلاقات الدولية
  • clock 29 أبريل 2025, 5:43:04 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
إبراهيم جلال فضلون يكتب: سلاح الماء وحروب الغاز

من منابع الحياة إلى صراعات الهيمنة.. من يملك الماء والغاز يملك المستقبل، فالحروب القادمة لن تكون فقط على الأرض، بل على التحكم بالتدفقات (المياه عبر الأنهار، والغاز عبر الأنابيب والممرات البحرية). 

 

في عالم يشهد تغيرًا مناخيًا وطلبًا متزايدًا على الطاقة والماء، مما يزيد الصراع عليهما أكثر من أي وقت مضى، فهناك أكثر من 2.2 مليار إنسان حول العالم يعانون من شحّ المياه، و17 دولة في "الخطر الشديد" حسب تصنيف معهد الموارد العالمية (WRI).


ومنذ أول حروب الماء عبر التاريخ، عبر العصور القديمة فأينما وُجد الماء كمصدر وجبت الحروب، فحضارات الرافدين ومصر القديمة قامتا حول دجلة والفرات والنيل. لتشهد نزاعات مبكرة على السيطرة على موارد المياه للزراعة، بينما نشبت نزاعات مملكة سبأ في اليمن القديمة وصراعات محلية على التحكم في تدفق المياه، لتأتي  القرون الوسطى لوظيفة جديدة للمياه وجدوها في خدمة الحصون والحروب، كالتي استخدمتها الدول الأوروبية كخط دفاع أو هجوم، عبر إغراق مناطق لحصار الجيوش (كما حدث في هولندا ضد الإسبان في القرن الـ16).. متحولاً في مرحلة القرن العشرين تحولاً سياسياً للمياه، كالسد العالي في مصر (1960): كان مصدر توتر مع دول حوض النيل، خصوصًا إثيوبيا، التي تعنتت ببناء سد النهضة الإثيوبي، ومنها ل مشاريع السدود التركية التي هددت تدفق دجلة والفرات، مما أثار توترات بين تركيا وسوريا والعراق للآن، ليكون في القرن 21: (سلاح جيوسياسي)، كأخر نزاع بين الجارتين النوويتين الهند وباكستان حول مياه نهر السند، الذي يغذي ملايين السكان في كلا البلدين.


إن الممرات المائية تشكّل شرايين التجارة العالمية، وخاصة الطاقة، وهو ما يجعل هذه الممرات نقاط اختناق استراتيجية، ما يدفع الدول الكبرى إلى استخدامها كورقة ضغط اقتصادي وجيوسياسي.. حيثُ تمر فيها ناقلات النفط والغاز المسال. 

فمن يسيطر على البحر الأحمر يسيطر على تجارة الصين والهند وروسيا وأوروبا والشرق الأوسط، فمضيق هرمز يمر عبره نحو  % 20 من النفط العالمي يوميًا، أي ما يعادل 21 مليون برميل يوميًا.. ومضيق باب المندب: تمر من خلاله صادرات النفط والغاز من الخليج إلى أوروبا. أكثر من 6  ملايين برميل يوميًا تمر من خلاله.. أما قناة السويسف تستحوذ على 12  % من التجارة العالمية و8  % من تجارة الغاز المسال. 

بينما يمر عبر مضيق ملقا الأهم في آسيا أكثر من 16 مليون برميل من النفط يوميًا، ليظهر علناً  حروب الغاز المسال(LNG) في ساحة تنافس دولية شرسة، كسلاحًا جيوسياسيًا مهمًا، خاصة بعد الحرب في أوكرانيا، حيث تحاول أوروبا تقليل اعتمادها على الغاز الروسي كأبرز المتنافسين، وبيانياً قطر: أكبر مصدر عالمي حتى 2022، تصدر إلى أوروبا وآسيا. تخطط لزيادة الإنتاج من 77 إلى 126 مليون طن سنويًا بحلول 2027.. بينما الولايات المتحدة: أصبحت المصدر الأول في 2023، مع 81.2 مليون طن، وتستهدف الأسواق الأوروبية والآسيوية.. أما روسيا فرغم العقوبات، ما زالت تصدر نحو 33 مليون طن سنويًا، وتحاول التوسع شرقًا نحو الصين والهند.. وأخيراً أستراليا من كبار المنتجين، ولكن تواجه تحديات لوجستية وأسعار مرتفعة.


العديد من الصراعات تؤثر على حرية الملاحة، وتستخدم الممرات كسلاح ضغط جاعلاً أمن الطاقة في مهب الصراعات ما جعل الحرب معلنه من أميركا وإسرائيل على اليمن (الحوثيون) مكلفًا الشركات ملايين الدولارات أسبوعيًا، بينما تلوح تركيا بين حين وآخر باستخدام مضيقي البوسفور والدردنيل كورقة ضغط سياسي، حيث يمر عبرهما الغاز الروسي المتجه إلى أوروبا، أما دولة الاحتلال الصهيوني فتستثمر في خط أنابيب بديل عبر البحر المتوسط لتجاوز قناة السويس، مما يزيد التوتر في شرق المتوسط، لسباق تسلح بحري بأساطيل الطاقة العالمية، بمقدمة قطر التي تمتلك أكبر أسطول من ناقلات الغاز المسال، مع خطط لإضافة 100 ناقلة جديدة. وكذلك السعودية تمتلك أسطولاً ضخمًا من ناقلات النفط عبر "بحري"، بينما تفتقر الولايات المتحدة والتي بلغت صادراتها من الغاز المسال نحو 81.2 مليون طن في عام 2023، متجاوزة قطر وأستراليا لأسطول وطني حقيقي، وتعتمد على شركات أجنبية، لكنها تسعى لبناء أسطول بحري مدني لدعم صادراتها، وهو ما يفسر دعوات ترمب لإعفاء السفن الأميركية من رسوم المرور، ورفضتها السيادة المصرية جملة وتفصيلاً، في حين أن الصين، على سبيل المثال، تبني ناقلات نفط بتكلفة أقل بـ75% من نظيرتها الأمريكية.


وهو ما يعزز نظرية التحكم السياسي بالأسواق الطاقية لنجد أهمية الصراع المحتدم عندما نعلم أن أكثر من 60% من صادرات الغاز المسال الأميركية تتجه إلى أوروبا وآسيا، وهي أسواق تستهدفها أيضًا قطر وأستراليا.

التعليقات (0)