نور حسين تكتب: شرفُ الخصومة… خُلقُ الكبار

profile
نور رزاق حسين كاتبة عراقية
  • clock 30 يوليو 2025, 1:50:51 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في زمنٍ تتبعثر فيه القيم، وتتوارى فيه الفضائل خلف صخب المصالح الشخصية وصراعات المنابر، يبقى شرف الخصومة عنوانًا لا يحمله إلا الكبار. أولئك الذين لا تستهويهم المهاترات، ولا تُغريهم نشوة الانتصار على حساب المروءة أو الحق.
الكبار الذين يفهمون أن الخصومة لا تعني التشهير، ولا تستوجب السقوط في مستنقع الردح والانفعال، بل تتطلب رجاحة عقل، وثبات موقف، واتزان كلمة.

في هذا السياق، حين نذكر هذا الخُلق النبيل، فإننا نستحضر رجلًا عرف كيف يخاصم بكرامة، ويختلف برقي، ويعارض بفكر.
رجلًا لا يردّ إلا بميزان العقل، ولا يهاجم إلا بمنطق، ولا يُسقِط خُصومه بالضرب تحت الحزام، بل يرتقي حتى حين يشتدّ الخلاف.
إنه الدكتور محمود المشهداني.

سياسيٌّ أدرك باكرًا أن اللسان مسؤولية، وأن الكلمة قد تعمّر وطنًا أو تهدمه، فحافظ على نظافتها كما حافظ على نظافة اليد والمقصد.
رجلٌ إذا اتّفق أكرم، وإذا اختلف ارتقى.
لا يشمت في خصم، ولا ينسى معروفًا، ولا يستقوي على من خالفه.
يرى في الخلاف فرصة للحوار، وفي النقد سبيلًا للتصحيح، وفي الصمت أحيانًا شرفًا أعلى من كل صراخ.

هكذا تكون الخصومة حين تصدر من نفسٍ تعرف الوقار، وقلبٍ لم يُفسدْه الغضب، ولسانٍ لا ينطق إلا بما يليق.
لا ينجرف وراء المهاترات، ولا يسمح للحظة انفعال أن تُسقِطه من مقامه الأخلاقي. بل يبقى في كل لحظة، وفي كل مواجهة، وفي كل موقف… رجل دولة، لا مجرد رجل سياسة.

الدكتور محمود المشهداني ليس مجرد اسم مرّ في المشهد العام، بل مدرسة أخلاقية قائمة بذاتها. نموذج نادر لرُقيّ الخُلق وسط العواصف، رجلٌ حافظ على هيبة الكلمة، وعلى المسافة بين الاختلاف والإسفاف.
منح المناصب معناها، لا العكس. وظلّ وفيًّا للضمير الوطني، حين بدّل كثيرون بوصلاتهم بحسب الموجة والربح.

وفي زمنٍ كثرت فيه الخصومات الرخيصة، وتحوّلت المنابر إلى ساحات تصفية حسابات شخصية، وتقلّصت المسافات بين الحقيقة والافتراء، يبقى محمود المشهداني شاهدًا على أن من يملك شرف الخصومة، يملك نُبل القيادة.

إنه من القلائل الذين فهموا أن الكلمة موقف، وأن الخلاف لا يُفسد للذوق قَضية، وأن السياسة ليست ميدانًا لإسقاط الآخر، بل ميدانًا لرفع الوطن.
من يعرفونه عن قرب يدركون أنه لا يخاصم ليربح، بل ليبني. ولا يصمت ضعفًا، بل احترامًا. ولا يبتسم مجاملة، بل من منبع طمأنينة داخلية لا يملكها كثيرون.

ومع كل جولة من جولات الخصومة في هذا الزمن المشحون، يبقى الدكتور محمود المشهداني مثالًا يُحتذى، وصوتًا يُذكّرنا بأن الوقار لا يُشترى، وأن الكبار لا تُلهيهم الصغائر.

فلنحفظ شرف الخصومة، لأنه ما تبقّى من أخلاق الكبار… في زمنٍ بات الصراخ فيه أعلى من كل منطق، والنزول إلى القاع أسهل من الترفع فوق الرداءة
 

وقد تبين ذلك خلال مناسبات عدة وتحديات كبرى سياسية مرت بها الاوضاع العامة للدولة العراقية سواء على مستوى الخلافات بين القوى الفاعلة وقوى المكونات أو داخل المنظومة السنية ومع المكون الكردي وفي العلاقات الخارجية.


ساهم الى حد بعيد في تبريد الاجواء السياسية الساخنة في البرلمان حين تم إنتخابه برضا ومباركة عامة من المكونات المختلفة التي رأت فيه رجل المرحلة والقادر على جمع الافرقاء على طاولة واحدة وهو ماحصل بالفعل بالرغم من الضغوط التي مورست لتعطيل عمل البرلمان ومحاولات التهميش والتسقيط التي يحاول البعض من خلالها جر القرار البرلماني الى مساحته، ولعل  الخلافات البينية داخل المكون السني كانت إختبارا حقيقيا لقدرته على الجمع بين الافكار والرؤى المختلفة في بوتقة واحدة وشكل مجموعة عمل هادئة من قيادات فاعلة


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)