هاريل ليبي... البناء على أنقاض الألم

د. إبراهيم جلال فضلون يكتب: فايس... الكاهنة حبارير والسيدة المجنونة

profile
د. إبراهيم جلال فضلون أستاذ العلاقات الدولية
  • clock 21 أغسطس 2025, 4:32:16 م
  • eye 412
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
دانييلا فايس

في عيد مولدها أغسطس الجاري بتاريخ حافل بالتحريض على العنف.. مجرمة حرب صهيونية، يُطلقون عليها "عرابة" الاستيطان الشيطاني، والملقبة بـ"السيدة المجنونة"، منذ السبعينيات من خلال حركة "غوش إيمونيم"، 

ونشأت في بيئته متأثرة بالحركة الصهيونية فوالدها كان ناشطاً في حركة "ليحي" المتطرفة. فكانت دانييلا فايس من أبرز الداعين لتحويل الأيديولوجيا الدينية إلى مستوطنات فعلية على الأرض لأكثر من خمسة عقود يعلوها تجاعيد وجه شيطاني تعكس الصلابة والتشدد الدمويين، وكأنها شبيهة لرئيسة وزراء إسرائيل الراحلة غولدا مائير. فكلتاهما ذات جذور عميقة للفكر الصهيوني، 

 

لكن كانت مائير سياسية دولة، أما فايس تتحرك من الهامش، كناشطة أيديولوجية أكثر منها زعيمة وطنية. بل وشبهوها بجان دارك "عذراء أورليان"، البطلة القومية الفرنسية التي قادت جيشها إلى انتصارات مهمة خلال حرب الـ100 عام في القرن الـ15، لكن فاييس كانت من أبرز مروجي الاستيطان غير القانوني في الضفة الغربية بجيش همجي دموي، ومثلما ادعت "دارك" الإلهام الإلهي الذي مهد الطريق لتتويج شارل السابع ملكاً على البلاد، تصر فايس على أنها وعد الله لإسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل، ولذا كانت كلماتها الدموية في تقرير CNN في ديسمبر 2024، قائلة: "سجلوا، سجلوا. ستكونون في غزة"، 

 

وقد عرضت خريطة تظهر خططاً لإنشاء ست مجموعات استيطانية في أنحاء قطاع غزة. بل وقالت العجوز "لا يوجد عربي، وأنا أتحدث عن أكثر من مليوني عربي. لن يبقوا هناك، نحن اليهود سنكون في غزة"، حتى أنها وصفت العرب أجمع بأنهم وحوش يريدون إبادة دولة إسرائيل، أو تطهيراً لليهود، نحن لا نفعل بهم شيئاً، هم من يفعلون بنا، مُعتبرة أن المواطنين العرب في غزة فقدوا حقهم بالبقاء فيها إلى الأبد، ولذا سيذهبون إلى دول مختلفة في العالم.

 

إنها الشمطاء الرقطاء التي ترفض منح الفلسطينيين أي سيادة. ودعت إلى تهجير من يرفض السيادة الإسرائيلية، وتؤمن بأن الدولة يجب أن تكون لليهود فقط. كما دعمت التعديلات القضائية في إسرائيل وهاجمت المحكمة العليا بزعم محاولتها تقويض الهوية اليهودية للدولة، وسُمح لها بمسح مواقع في غزة رغم القيود العسكرية، وتروّج لخطط إنشاء 6 تجمعات استيطانية فيها، وكأنها تُشبه "سيرسي لانستر"، الشخصية المحورية في مسلسل "صراع العروش" (Game of Thrones). رغم الفارق الشاسع بين عالمي "ويستروس" الخيالي وواقع الضفة الغربية، التي كان رد فعلها الإنساني على المشاهد المرعبة لأطفال غزة، قولها: "أنا أتبع قانون الطبيعة الأساسي: أطفالي قبل أطفال العدو، نقطة".

 

أنها ليست مجرد ناشطة أو مستوطنة، بل "مجرمة حرب تعمل في العلن، وتستحق المحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، بغبائها الاستعلائي الذي يتعامل مع غزة وكأنها أرض خالية، متجاهلة وجود سكانها، متشبثة بعقلية المستعمر الأبيض، والادهى والأمر أنها مرشحة لجائزة نوبل للسلام كالرئيس الأمريكي الملطخة يداه وإدارته بدماء أبرياء غزة وتجويعها، ومُتبجحة بقولها: "طموحي الوحيد هو أن يكون هناك خير وسلام في الأرض والعالم بجعل أرض إسرائيل مأهولة بجميع أجزائها"، وهي تحتل منذ عقود أراض في فلسطين وسوريا ولبنان، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967.

 

إنها عقوبات دامغة... ووجوه خلف ستار الرعب نراها من دانييلا فايس... ذات الوجه البارد للتحريض وامرأة لا تعرف الرحمة، ضالعة في تهديدات وأفعال عدوانية ضد الفلسطينيين، لم تكتفِ بالفعل بل حرّضت وجوعت وقتلت، حتى تُجمدت أرصدتها، ومُنعت من دخول المملكة المتحدة، وسُحبت منها صلاحيات الإدارة. فايس لم تكن مجرد صوت، بل كانت أداة فاعلة في صناعة الرعب، عبر مشاهد يُقطر منها التوتر ويشعل فتيل الأسئلة، أعلنت السلطات اليوم عن سلسلة عقوبات تهزّ أركان كيانات وأفراد تورطوا في أعمال وصفت بأنها "عدوانية، قاسية، وغير إنسانية" ضد الفلسطينيين. خلف هذه الأسماء، تتوارى قصص من العنف والتحريض، ومن دعم ممنهج لبؤر الاستيطان التي تقتلع الأرواح قبل أن تقتلع الأرض.

 

إنها كيانات لعوب... تتقن فن الإغواء السياسي كالمرأة اللعوب التي تتنقّل بين الرجال بعلاقات متزامنة ومتتالية، دون نية صادقة أو نهاية سليمة، تتنقل هذه الكيانات بين مشاريع الاستيطان والتهجير، تغوي السلطة، وتستدرج المال، وتغازل النفوذ. شركة تدعم بؤرة غير قانونية، ومزرعة ترتبط بانتهاك قاسٍ، وحركة تروّج للمعاناة... كلهم كمن يملك عشيقًا غنيًا وآخر صاحب سلطة وثالثًا يبتزها، يعرفون أن النهاية لن تكون نظيفة، لكنهم يواصلون اللعبة. واليوم، جاء العقاب: تجميد، منع، سحب صلاحيات... كأن الستار أُسدل على مسرح الإغواء، ووضعها في تابوت حبارير الموت.

هاريل ليبي... البناء على أنقاض الألم

 

مالك شركة ليبي للإنشاءات، لم يكن مهندساً للبنية التحتية فحسب، بل مهندساً للتهجير القسري. تورطه في دعم بؤر استيطانية غير قانونية جعل من شركته أداة لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم. أرصدته جُمّدت، وسُحبت منه الأهلية الإدارية، وأُغلق باب المملكة المتحدة في وجهه.

 

زوهار صباح... حين يصبح التحريض مهنة، يأتي اسم آخر في قائمة الرعب، ضالع في التهديد والتحريض والتأييد لأعمال عدوانية ضد الفلسطينيين. صباح لم يكن مجرد متفرج، بل لاعب رئيسي في مشهد العنف. واليوم، يدفع الثمن: تجميد أرصدة، ومنع سفر، وسحب صلاحيات.

 

مزرعة كوكو... الأرض التي تنبت القسوة، فهي ليست مجرد مزرعة، بل نقطة سوداء على خارطة الانتهاكات. مرتبطة بشخص ضالع في تسهيل وتشجيع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. أرصدتها جُمّدت، لتبقى شاهداً على كيف يمكن للأرض أن تُستخدم كأداة للعقاب.

 

شركة ليبي... البنية التحتية للتهجير في صورة شركة بناء، بل شركة تهجير. دعمت لوجستياً ومالياً إنشاء بؤر استيطانية غير قانونية، تسببت في معاناة نفسية وعنف ممنهج ضد الفلسطينيين. العقوبات طالتها، فجُمّدت أرصدتها وسُحبت منها الأهلية الإدارية.

 

حركة نحالا... التنظيم الذي يزرع الألم، قدمت الدعم لإنشاء بؤر استيطانية غير قانونية، وشاركت في التهجير القسري والمعاناة النفسية للفلسطينيين. اليوم، تُجمد أرصدتها، في محاولة لكبح جماح التنظيم الذي جعل من الأرض ساحة للغضب.

 

مزرعة نيريا... حين تتحول الطبيعة إلى سلاح، على يد شخص ضالع في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتخضع الآن لتجميد أرصدتها. المزرعة التي كان يُفترض أن تكون ملاذاً للهدوء، تحولت إلى منصة لانتهاك الكرامة.

 

ختاماً... ليست مجرد أسماء، بل شخوص وكيانات صنعت من الألم مشروعاً، ومن الأرض ساحةً للتهجير، ومن التحريض منهجاً. العقوبات اليوم ليست نهاية، بل بداية لكشف ما وراء الستار... حيث الرعب لا يزال يتنفس.

 

التعليقات (0)