خط الصدع الاستراتيجي: المبرر المعلن للإجراء الاقتصادي

ألطاف موتي يكتب: الهند ومبدأ "أمريكا أولاً": تصادم حتمي؟

profile
ألطاف موتي كاتب باكستاني
  • clock 21 أغسطس 2025, 4:25:18 م
  • eye 416
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
دونالد ترامب

إن العلاقة التي تميزت يومًا ما بتجمعات حاشدة بحجم الملاعب وبكيمياء شخصية دافئة قد انحدرت الآن إلى حالة من المواجهة الدبلوماسية والاقتصادية المفتوحة. لقد تحولت الديناميكية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والهند بشكل جذري، من شراكة استراتيجية مرموقة إلى علاقة يحددها توجيه الإنذارات العلنية والردود الحادة. القرار الأخير الذي اتخذه الرئيس ترامب بفرض تعريفة جمركية إضافية بنسبة 25 بالمئة على جميع البضائع الهندية، مما يرفع إجمالي الضريبة على الواردات إلى 50 بالمئة، وهو إجراء ربطه صراحةً باستمرار التجارة الهندية مع روسيا، لا يمثل حادثة معزولة، بل هو التتويج الحتمي لخلافات طال أمدها حول التجارة والتحالف الاستراتيجي والرؤى العقائدية.


لفهم حالة العداء الحالية، يجب تحليل الجبهات المتميزة والمترابطة التي تطورت عليها هذه التوترات. فالنزاع لا يقتصر على خلاف سياسي واحد، بل هو صدام جوهري بين عقيدة ترامب "أمريكا أولاً" القائمة على الصفقات، وسياسة الهند الراسخة المتمثلة في "الاستقلالية الاستراتيجية"، وهو صدام له تداعيات عميقة على التجارة العالمية والجيوسياسة.


ساحة المعركة الاقتصادية: من الشكوى إلى فرض الرسوم الجمركية


لقد كان أساس إحباط دونالد ترامب من الهند اقتصاديًا دائمًا، لكن نطاق شكواه أوسع بكثير من مجرد الرسوم الجمركية. ففي حين أن التعريفة العقابية البالغة 50٪ تمثل السلاح الأساسي، إلا أنها مدعومة بقناعة متجذرة في معسكره بأن العلاقة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والهند معطوبة جوهريًا، وأن الهند فشلت في المعاملة بالمثل في شراكة كانت مربحة لها.


على المستوى السطحي، يتعلق الصراع بالرسوم الجمركية. فلسنوات، هاجم ترامب الهند ووصفها بـ "ملك التعريفات". ومع ذلك، فإن انتقادات إدارته أعمق من ذلك، حيث تشير إلى ما وصفته بأنه "أكثر الحواجز التجارية غير الجمركية إرهاقًا وبغضًا بين أي دولة". هذه ليست ضرائب مباشرة، بل هي عقبات تنظيمية معقدة - بما في ذلك معايير الصحة النباتية والمعايير الفنية والجودة الصارمة - التي يجدها المصدرون الأمريكيون صعبة ومكلفة، مما يجعلها بمثابة جدار خفي ضد البضائع الأمريكية.


إلى جانب هذه الحواجز، هناك تصور متزايد في واشنطن بأن الوعود الاقتصادية للهند قد تم تضخيمها. فبينما يتم الترويج لها غالبًا كسوق استهلاكي ضخم، يرى بعض المحللين أن هذه الرواية مبالغ فيها. وتفترض هذه الحجة أنه على الرغم من أن الطبقة المتوسطة في الهند كبيرة من حيث العدد، إلا أن قدرتها الشرائية الفعلية محدودة، وتفتقر إلى القدرة على استيعاب المنتجات الأمريكية عالية القيمة بشكل مستمر. وقد تردد صدى هذا الشعور في وصف ترامب الصريح للاقتصاد الهندي بأنه "اقتصاد ميت في الماء"، وهو تحد مباشر لرواية "الهند المشرقة".


يمتد هذا النقد ليشمل دور الهند في سلاسل التوريد العالمية. لقد كان الرئيس ترامب صريحًا في رغبته برؤية الصناعة التحويلية الأمريكية تعود إلى الولايات المتحدة، حيث قام بشكل واضح بتثبيط شركات مثل "آبل" و"تسلا" عن إنشاء مراكز إنتاج في الهند. هناك قناعة بأن الهند، على الرغم من طموحاتها، لا يمكنها استنساخ النظام البيئي الصناعي الصيني من حيث الحجم والمهارة والكفاءة.


أخيرًا، امتدت المظالم الاقتصادية الآن لتشمل أحد أنجح قطاعات الهند: الأدوية. كمنتج عالمي مهيمن للأدوية الجنيسة ومكوناتها الخام، تعد صناعة الأدوية الهندية حجر الزاوية في اقتصادها التصديري. وقد أشار الرئيس ترامب إلى نيته استهداف هذا القطاع بعد ذلك، مع احتمال فرض رسوم جمركية تتجاوز 200٪، وهي خطوة من شأنها أن تضرب قلب القوة الصناعية للهند وتكون لها تداعيات كبيرة على سلاسل توريد الأدوية العالمية.


خط الصدع الاستراتيجي: المبرر المعلن للإجراء الاقتصادي


إن السبب المباشر لإجراءات فرض الرسوم الجمركية هو الهوة العميقة بين التوقعات الأمريكية بالولاء القائم على التحالف وإصرار الهند على الاستقلال الاستراتيجي. وقد ربط الرئيس ترامب صراحةً التعريفة العقابية البالغة 50٪ بالخيارات الاستراتيجية للهند، لا سيما علاقتها بروسيا. 


محور النفط والأسلحة الروسي: استشهد الإعلان الرسمي مباشرة بشراء الهند للنفط والأسلحة العسكرية الروسية كمبرر أساسي للتعريفات. من وجهة نظر الرئيس ترامب، هذه السياسة غير مقبولة لشريك استراتيجي، حيث يرى أنها تمول بشكل مباشر خصمًا رئيسيًا للولايات المتحدة. كما زعمت الإدارة أن الهند لا تشتري النفط الروسي لتلبية احتياجاتها الخاصة فحسب، بل إنها تستفيد من خلال تكريره وإعادة بيعه في الأسواق الدولية.


الرد الهندي والاتهام المضاد: في رد فعلها الأولي، تبنت وزارة الشؤون الخارجية الهندية لهجة مدروسة، مشيرة إلى أنها "تدرس تداعيات" القرار وستتخذ جميع الخطوات اللازمة لتأمين مصلحتها الوطنية. ومع ذلك، فقد أطلقت أيضًا حجة مضادة مدببة، مسلطة الضوء على أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يواصلون استيراد سلع حيوية من روسيا، بما في ذلك سادس فلوريد اليورانيوم والبلاديوم والأسمدة. يهدف هذا الرد إلى فضح ما يُنظر إليه على أنه معايير مزدوجة، متسائلاً عن سبب معاقبة الهند بشكل فريد على أفعال يمارسها منتقدوها الغربيون أيضًا.


المهيجات الكامنة: الهجرة، المعاملة بالمثل، ورؤية قائمة على الصفقات


بعيدًا عن الصراعات التي تتصدر العناوين، ساهمت قضايا أخرى مستمرة في تآكل حسن النية. فلطالما كان السيد ترامب من منتقدي برنامج تأشيرة H-1B. وبالنظر إلى أن المواطنين الهنود هم أكبر المستفيدين من هذه التأشيرات، فإن جهوده لتقليص البرنامج يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها تستهدف الهند مباشرة. ويضاف إلى هذه القضية المخاوف بشأن الهجرة غير الشرعية، مع تقديرات بوجود عدد كبير من الأفراد من أصل هندي يقيمون بشكل غير قانوني في الولايات المتحدة، مما يضيف جبهة أخرى إلى تركيز حملة ترامب. يغذي هذا الأمر رواية أوسع عن علاقة أحادية الجانب. هناك خيبة أمل ملموسة في واشنطن من أنه على الرغم من التجارة الثنائية في السلع والخدمات التي تتجاوز 190 مليار دولار، لم تقم الهند بالمعاملة بالمثل بشكل كافٍ. والشعور السائد هو أن الهند قد جنت فوائد الوصول إلى السوق والتكنولوجيا الأمريكية دون تقديم تنازلات مجدية في المقابل.


علاوة على ذلك، يعد أسلوب الرئيس ترامب الشخصي القائم على الصفقات في الدبلوماسية عاملاً حاسمًا. فهو يولي قيمة هائلة لمظاهر الولاء العلنية والعلاقات الشخصية. وقد نظر إلى تجمعات "هاودي مودي!" و"ناماستي ترامب" على أنها تأكيد على وجود رابطة شخصية وسياسية قوية. وبالتالي، من المرجح أن يتم تفسير أي قرار سياسي لاحق من قبل الهند ينحرف عن التوقعات الأمريكية ليس فقط على أنه خلاف في السياسة، ولكن كإهانة شخصية، مما يستدعي ردًا أكثر عدوانية وعقابية.


إن الوضع الحالي للعلاقات بين الولايات المتحدة والهند في عهد الرئيس ترامب ليس نتيجة تحول مفاجئ، بل هو النتيجة الحتمية لشقاقات كانت موجودة مسبقًا. لقد تطور النزاع من مناوشات كلامية إلى حرب اقتصادية مباشرة مع فرض تعريفة إجمالية معوقة بنسبة 50٪. وهذا ليس مجرد رد فعل على مشتريات النفط الروسي، بل هو تتويج لمجموعة واسعة من المظالم الاقتصادية والاستراتيجية.

التعليقات (0)