-
℃ 11 تركيا
-
6 سبتمبر 2025
الحكم العسكري في غزة: قراءة في الرؤية الإسرائيلية وأبعادها
الهدف الإسرائيلي من الحكم العسكري
الحكم العسكري في غزة: قراءة في الرؤية الإسرائيلية وأبعادها
-
6 سبتمبر 2025, 1:43:32 م
-
418
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعبيرية
قراءة عسكرية – رامي أبو زبيدة
يدخل النقاش حول الحكم العسكري في غزة مرحلة حساسة بعد التقرير الصادر عن المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية العبري تحت عنوان "الحكم العسكري في قطاع غزة؛ حلٌّ ضروري أم فخ؟".
التقرير يعتمد على خبرة العقيد ديفيد حاخام في الإدارة المدنية خلال الانتفاضة الأولى، ويكشف عن جدل واسع داخل المؤسستين السياسية والأمنية الإسرائيلية حول مستقبل القطاع.
يمثل هذا التقرير محاولة لفهم رؤية الاحتلال لإدارة غزة، وتقييم مدى قابليتها للتطبيق في ظل الواقع الراهن المعقد والمقاومة المتجذرة.
المبادئ الإسرائيلية الأساسية
حدّد الكابينيت الإسرائيلي خمسة مبادئ رئيسية لتطبيق حكم عسكري أو إدارة مدنية مباشرة في غزة نزع سلاح حماس بشكل كامل لضمان منع أي تهديد مستقبلي و إعادة جميع الأسرى والمختطفين، سواء كانوا أحياء أو أموات و نزع سلاح قطاع غزة بأسره وليس فقط المقاومة المسلحة و فرض السيطرة الأمنية الإسرائيلية المباشرة على جميع جوانب الحياة في القطاع و إقامة حكم مدني بديل لا يتبع لا حماس ولا السلطة الفلسطينية.
تعكس هذه المبادئ التوجه نحو احتلال مباشر، حتى وإن لم يُعلن رسميًا باسم الحكم العسكري، ما يشير إلى إصرار الاحتلال على التحكم الكامل في غزة.
الخلافات داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية
يبرز رئيس الأركان الإسرائيلي، إيال زامير، معارضة واضحة لفكرة الاحتلال المباشر، محذرًا من تداعيات خطيرة تشمل تعريض الأسرى لمخاطر أكبر في ظل صعوبة التحكم بالسكان و استنزاف الجيش الإسرائيلي في بيئة مكتظة بالسكان وأرض معقدة و اقتراح الحصار الطويل كخيار بديل أقل تكلفة وأكثر أمانًا.
هذا الخلاف يعكس وعي المؤسسة الأمنية بصعوبة فرض حكم عسكري مستدام في غزة، وإمكانية تحوله إلى ورطة طويلة الأمد.
استدعاء التجارب التاريخية
التقرير يستعرض تجربة الحكم العسكري الإسرائيلي السابقة في غزة، بما في ذلك:
1956–1957: خلال العدوان الثلاثي، تجربة قصيرة انتهت بتداعيات محدودة.
1967–1994: بعد حرب الأيام الستة وحتى اتفاقية أوسلو، حيث قسم الاحتلال غزة إلى ثلاث مناطق (غزة، خان يونس، رفح)، وتم تشغيل آلاف الفلسطينيين في المؤسسات الإدارية والصحية والتعليمية.
الانتفاضة الأولى 1987: أظهرت فشل نموذج السيطرة الإسرائيلية، رغم الاستثمارات الكبيرة.
2005: الانسحاب النهائي للجيش الإسرائيلي بعد نقل صلاحيات السلطة الفلسطينية، ما يوضح صعوبة فرض السيطرة المباشرة على القطاع لفترات طويلة.
التقرير يوحي بأن هناك خبرة متراكمة يمكن إعادة استحضارها، لكنه يغفل عن أن الواقع اليوم أكثر تعقيدًا بكثير، والمقاومة الفلسطينية أكثر تنظيماً وصلابة.
التحديات الراهنة أمام الاحتلال
تواجه أي محاولة للحكم العسكري في غزة عقبات هائلة، أبرزها الكثافة السكانية: ارتفع عدد السكان من 370 ألفًا عام 1967 إلى أكثر من 2.2 مليون نسمة اليوم و حجم القوات المطلوبة: لم تعد فرقة واحدة كافية، بل يلزم أربع فرق على الأقل لتأمين السيطرة و التكاليف المالية: يُقدّر الإنفاق السنوي بنحو 5 مليارات شيكل، ما يشكل عبئًا اقتصاديًا كبيرًا على إسرائيل و الميدان المقاوم: الأنفاق، الصواريخ، والتشكيلات المناورة تجعل السيطرة شبه مستحيلة، إضافة إلى تجذر المقاومة داخل النسيج الاجتماعي و هذه التحديات تثبت أن أي حكم عسكري في غزة يواجه صعوبات تشغيلية وسياسية واقتصادية ضخمة.
الهدف الإسرائيلي من الحكم العسكري
وفق التقرير، يسعى الاحتلال الإسرائيلي من خلال الحكم العسكري أو الإدارة المدنية المباشرة إلى خلق سلطة بديلة قوية تمنع عودة حماس و إدارة حياة الفلسطينيين عبر جهاز مدني-عسكري يوفر الخدمات ويشغل السكان و تكريس السيطرة الأمنية تحت غطاء إدارة مدنية جديدة، ما يعني هندسة الواقع السياسي والاجتماعي في غزة لصالح إسرائيل و بمعنى آخر، الهدف هو إعادة تدوير تجربة السيطرة القديمة، مع محاولة تحسين النتائج على المستوى الأمني والسياسي.
الخلاصة الإسرائيلية
التقرير يؤكد أن الحكم العسكري ليس مطروحًا مباشرة على أجندة نتنياهو في الوقت الحالي، لكنه يظل خيارًا جاهزًا للتنفيذ عند الحاجة، سواء بشكل استباقي أو كرد فعل على تطورات ميدانية.
إسرائيل إذًا تسعى للحفاظ على القدرة على العودة إلى السيطرة المباشرة متى رأت ذلك مناسبًا.
القراءة الفلسطينية للتقرير
من منظور فلسطيني، التقرير يعكس حقيقة واحدة غزة أرض عصية على السيطرة، والمقاومة أكثر خبرة وتنظيمًا من أي وقت مضى و الحديث عن "إدارة مدنية" أو "حكم عسكري" هو تجميل للواقع الاحتلالي المباشر و التحديات التي يقر بها التقرير (الكثافة السكانية، الاستنزاف، التكلفة المالية، استمرار المقاومة) تثبت استحالة نجاح المشروع الإسرائيلي في الحياة العملية.
باختصار، الاحتلال يحاول إعادة تدوير فشله القديم في غزة، بينما البيئة الحالية أشد تعقيدًا والمقاومة الفلسطينية أكثر صلابة و يبقى الحديث عن الحكم العسكري في غزة جزءًا من الأجندة السياسية الإسرائيلية الطويلة المدى، لكنه يواجه عقبات جسيمة على الأرض. التقرير الصادر عن المركز العبري يكشف عن إدراك الاحتلال صعوبة السيطرة المباشرة، لكنه يحاول الحفاظ على خيار جاهز للتطبيق.
من ناحية فلسطينية، غزة لا تُقهر، والمقاومة تتصاعد قوة وصلابة كل يوم، ما يجعل أي خطة احتلال مباشر أكثر تعقيدًا واستحالة من الماضي.









