أثره في الحرب الإعلامية والنفسية

من هو أبو عبيدة؟.. الملثم الذي حيّر الاحتلال وألهم الملايين

profile
  • clock 31 أغسطس 2025, 7:58:57 م
  • eye 428
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
أبو عبيدة

خاص موقع 180 تحقيقات

على مدار ما يقرب من عقدين من الزمن، تحوّل اسم "أبو عبيدة" إلى أيقونة في الوعي الفلسطيني والعربي والإسلامي، باعتباره الصوت الصادح باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ذلك الصوت الملثم الذي يخرج على شاشات الفضائيات ببيانات نارية، يعلن من خلالها عن عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ويزرع الرعب في قلوب جنرالات الجيش الصهيوني، وفي الوقت ذاته يزرع الأمل والعزة في قلوب أبناء الأمة.

ورغم مئات المحاولات التي قام بها الاحتلال لاغتياله، بقي أبو عبيدة صامداً، حاضراً في معادلة الردع والمعركة الإعلامية والسياسية. واليوم، ومع التسريبات الأخيرة التي تحدثت عن استشهاده، عاد اسمه ليتصدر المشهد مجددًا، بعد أن كشف الاحتلال الإسرائيلي –وفق ما زُعم– صورته واسمه الحقيقي: حذيفة الكحلوت.

أبو عبيدة.. الصوت الملثم للمقاومة

ظهر أبو عبيدة لأول مرة كناطق رسمي باسم كتائب القسام خلال انتفاضة الأقصى الثانية مطلع الألفية، وحرص منذ البداية على إخفاء ملامحه خلف الكوفية الفلسطينية أو القناع العسكري، لأسباب أمنية بحتة، لكنه سرعان ما تحوّل هذا الظهور المميز إلى رمز ثوري مقاوم.
لم يكن مجرد ناطق إعلامي، بل كان أحد أهم أدوات الحرب النفسية للمقاومة، إذ كانت بياناته الصوتية والمصورة تواكب العمليات النوعية التي تنفذها الكتائب، فتزيد من ثقة الجمهور الفلسطيني والعربي بالمقاومة، وتزرع في المقابل حالة من الذعر والارتباك في صفوف المستوطنين والجنود الإسرائيليين.

محاولة الاغتيال والاستشهاد المزعوم

على مدى السنوات الماضية، حاول الاحتلال مرارًا استهداف أبو عبيدة، إلا أن جميع محاولاته باءت بالفشل. غير أن أخباراً متداولة مؤخراً تحدثت عن أن "يد العدوان الإسرائيلي قد طالته أخيراً"، بعد قصف استهدف إحدى المناطق في غزة، وأدى بحسب بعض المصاد  إلى استشهاده.
لم يتأكد الخبر بشكل رسمي من كتائب القسام، إذ تلتزم الأخيرة عادةً سياسة الغموض العسكري في التعامل مع هذه القضايا الحساسة، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي سارع إلى نشر صور قال إنها للناطق العسكري بعد اغتياله، زاعمًا أنه هو حذيفة الكحلوت.

تسريب الصور والاسم الحقيقي

الصورة الأولى التي نشرها الاحتلال تُظهر أبو عبيدة بزيه العسكري بعد اغتياله، بينما الصورة الثانية تداوَلها نشطاء ومواقع فلسطينية على أنها صورته الطبيعية بلا قناع.
ووفق مصادر فلسطينية، فإن الاسم الحقيقي لأبو عبيدة هو حذيفة الكحلوت، شاب فلسطيني من غزة، عاش كغيره من أبناء شعبه بين الحصار والقصف والفقد، ليصبح لاحقاً الصوت الإعلامي الأبرز للمقاومة الفلسطينية.
المفارقة أن وجهه –كما ظهرت الصور– بدا عادياً جداً، يشبه آلاف الفلسطينيين الذين ما زالوا بين شهداء وأحياء مرابطين، وكأن الرسالة أن البطولة ليست في الملامح ولا في المظاهر، بل في الموقف والمبدأ والثبات.

رمزية "الملثم" في الوجدان الفلسطيني

لم يكن قناع أبو عبيدة مجرد وسيلة لإخفاء ملامحه، بل أصبح رمزاً ملهماً يختزل معنى المقاومة السرية والصلابة الغامضة التي تربك العدو. لقد تحوّل "الملثم" إلى أيقونة، ليس في فلسطين وحدها بل في العالم العربي والإسلامي، حيث ارتبط اسمه بالشجاعة، والفصاحة، والإطلالة التي تشد الأنظار وتثير الاهتمام مع كل بيان.
كلماته المقتضبة والواثقة كانت كفيلة بتغيير معادلات سياسية وعسكرية، حتى أصبح مجرد ظهوره جزءاً من معركة الردع.

أثره في الحرب الإعلامية والنفسية

يدرك الاحتلال الإسرائيلي جيداً أن المعركة ليست فقط صواريخ وأنفاق واشتباكات، بل هي أيضاً حرب إعلامية ونفسية. وفي هذه الساحة كان أبو عبيدة رقماً صعباً.
كلما خرج ببيان يتحدث عن عملية نوعية أو أسر جنود أو تدمير آليات، كانت قلوب الفلسطينيين والعرب تمتلئ بالفخر، فيما يسيطر الخوف على الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي تتابع تصريحاته عن كثب.
لقد تحوّل أبو عبيدة إلى ما يشبه "ظل الهزيمة" الذي يلاحق الاحتلال"، إذ يكفي أن يخرج صوته عبر الفضائيات حتى تبدأ التحليلات والتقديرات في مراكز صنع القرار الإسرائيلي.

أبو عبيدة كرمز يتجاوز الشخص

سواء صحّت رواية استشهاده أم لا، فإن أبو عبيدة لم يعد مجرد شخص، بل أصبح رمزاً حياً للمقاومة. رمزيته أكبر من صورته واسمه الحقيقي، فهي تعبّر عن كل مقاوم فلسطيني يختفي خلف القناع، وعن كل شهيد يرحل تاركًا خلفه ألف مقاوم يكمل الطريق.
إن اغتياله إذا تأكد لن يعني نهاية الصوت المقاوم، بل سيكون بداية لمرحلة جديدة، حيث يتحول إلى أسطورة تلهم الأجيال القادمة، تماماً كما فعل قادة شهداء آخرون مثل يحيى عياش وأحمد الجعبري.

الاحتلال ومحاولة كسر الرمزية

سعى الاحتلال من خلال نشر صورته واسمه الحقيقي إلى تفكيك رمزيته وإضعاف هالته الإعلامية، إلا أن النتيجة جاءت معاكسة تماماً، فبدلاً من إضعاف حضوره، زادت صورته "العادية" من قربه إلى الناس، وجعلتهم يرون فيه واحداً منهم، لا يختلف عن أي فلسطيني آخر يعيش الحصار والمقاومة.
لقد أراد الاحتلال أن يسقط القناع عن وجه أبو عبيدة ليقلل من تأثيره، لكنه كشف عن حقيقة أعظم: أن كل فلسطيني في غزة يمكن أن يكون "أبو عبيدة" جديداً.

الملثم الذي لن يموت

أبو عبيدة، أو حذيفة الكحلوت كما تزعم التسريبات، سيظل اسماً محفوراً في ذاكرة الفلسطينيين والعرب، سواء كان حياً يواصل رسالته أو شهيداً نال ما تمنى، فإن الملثم المهيب والفصيح الذي واجه آلة الحرب الصهيونية ببياناته وكلماته، صار رمزاً للكرامة والعزة والصمود.

التعليقات (0)