-
℃ 11 تركيا
-
3 سبتمبر 2025
د. إبراهيم جلال فضلون يكتب: أبو عبيدة ليس رجلًا واحدًا.. بل ضمير أمة
د. إبراهيم جلال فضلون يكتب: أبو عبيدة ليس رجلًا واحدًا.. بل ضمير أمة
-
31 أغسطس 2025, 8:06:23 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أبو عبيدة اليوم هو أنا، وأنت، وكل عربي بل كُل حُر يرفض أن يعيش ذليلًا في زمن التخاذل. فلم يكن “أبو عبيدة” متحدثًا تقليديًا، بل كان لقبًا يتردد صداه في شوارع كل عواصم العالم، إذ بُثت كلماته عبر المحطات والقنوات وعرّجت على ألسنة الثائرين والمحبين قبل ألسنة الخصوم. التي استهدفته آلة القتل الإسرائيلية، لكن نبراته العزية كان نبضًا عربياً مشتركًا زلزل "كسروانه ومربعيْن" ميدان التحرير، لتصمت بذلك واحدة من أكثر الأصوات العربية حضورًا ورمزية في زمن الانكسارات.
إن اليهود والماسونية لم تقتل رجلًا فحسب؛ بل حاولت إسكات رمزٍ أصبح لسان المقاومة وصوتها الذي لا يلين. لكنها – وكعادتها – أخطأت الحساب. فـ أبو عبيدة إذا استشهد، فكل عربي هو أبو عبيدة، بل فكل عربي بات يحمل القناع الأحمر، والوشاح الغزاوي، وكل عربي صار يحمل في صوته نبرة التحدي التي كان يجسدها.
لو استُشهد أبو عبيدة، فهو شهيد عربي اسلامي بلا ريب، وهو بروحه وصوته ذا أثر عميق تجاوزه ليصبح رمزًا للجهاد والكرامة في كل بيت عربي وأجنبي؛ هتافات الملايين التي نادت باسمه تجسيدٌ لقمم العز التي لا تنحني أمام آلة القتل الإسرائيلية، متجاوزاً حدود فلسطين؛ فلم يكن مجرد متحدث عسكري، بل أيقونة لكرامة إنسانية مهدورة. كلماته كانت تُرعب الاحتلال، وتوقظ في الأمة بقايا الشجاعة التي أراد الاستعمار أن يدفنها. وكأن ألة القتل وضمير الاحتلال الشيطاني يُحاول أن يبعث رسالة قاسية: لا قداسة لأحد، ولا حصانة لأي صوت. لكن الرسالة الحقيقية وصلت مغايرة: إذا غاب جسد أبو عبيدة، فإن كل بيت عربي سيُخرج أبو عبيدة جديدًا.
لقد أراد الاحتلال باغتياله أن يزرع الخوف، فزرع في المقابل بذور الغضب. أراد أن يطفئ صوتًا، فأشعل آلاف الأصوات. أراد أن يقطع الشريان، فأيقظ في الأمة قلبًا نابضًا لا يعرف التوقف.
إن رحيله يجعلنا اليوم أمام مفترق طرق: دماؤه كغيره من إخوانه لن تجف دون أن تسيل في عروق كل حُر، وغضبه لن يُخمد إلا بقيام أمة توحد عزائمها في وجه العدو الهالك. لقد هزّ بسلوكه وبلاغته داخليْن؛ فبات هو “أبو عبيدة” لقلوب كل عربي عاشق للحرية.
أيها العرب، مقام العزّ لم يُبتدأ بعد بموت، بل بدأ مع أول كلمة صدحت بها شفتاه. فلتكن تضحياته دافعًا يوقظنا لنقف جميعًا يدًا واحدة، فها هو المناضل العربي الأكبر قدّم جسده درعًا، فلنجدد البيعة لثوابته ولنردّ الصاع صاعين. بل وعلينا ان نعي جميعاً اليوم، أن المعركة ليست معركة غزة وحدها، بل معركة كل من بقي في صدره نبض حُر. إن كان أبو عبيدة قد ارتقى، فإن أبو عبيدة الحقيقي لم يمت، لأنه لم يكن اسمًا بل معنى؛ لم يكن رجلًا بل قضية؛ لم يكن فلسطينيًا فحسب، بل كان لسان الأمة حين صمتت.









