تكبير الخط تصغير الخط

محمد خميس

أثار الخطاب الأخير لأبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، مساء الجمعة 18 يوليو 2025، تفاعلًا واسعًا في الشارع العربي والإسلامي، بعد ظهوره المصوَّر الأول منذ أربعة أشهر، حاملاً رسائل صادمة وغاضبة من الواقع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، ورسائل قوة واستعداد لمواصلة حرب الاستنزاف ضد الاحتلال الإسرائيلي.

خطاب أبو عبيدة... صرخة في وجه صمت الأمة

جاءت لهجة أبو عبيدة هذه المرة غاضبة ومشحونة بالحزن والخذلان، منتقدًا صراحة قادة ونخب وعلماء الأمة الإسلامية بسبب صمتهم تجاه المجازر والمجاعة في غزة، معتبرًا أن الموقف المتفرج جعلهم شركاء في المأساة المستمرة.

وصفه المحللون بأنه خطاب من "جناحين متقابلين": عتاب مرير وتحدٍّ صلب، حيث عبّر عن الألم الإنساني العميق الذي تعيشه غزة، وفي الوقت ذاته أعاد التأكيد على جهوزية المقاومة للقتال والاستمرار في المواجهة مهما طال أمد الحرب.

دلالات عسكرية واستراتيجية: حرب استنزاف متصاعدة

بحسب خبراء عسكريين، حمل خطاب أبو عبيدة رسائل تكتيكية واضحة، أهمها:

التأكيد على دخول المقاومة مرحلة حرب استنزاف طويلة الأمد تعتمد على:

إيقاع أكبر خسائر بشرية في صفوف جيش الاحتلال.

القتال من نقطة صفر داخل الميدان.

السعي لأسر الجنود بدلًا من قتلهم، لرفع الكلفة النفسية والمفاوضاتية على الاحتلال.

تشبيه المقاومة الفلسطينية بـ"حجارة داود أمام عربات جدعون" أوضح اختلال ميزان القوة لصالح الاحتلال عسكريًا، لكنه شدد على أن الإرادة هي سر الانتصار.

كما حذّر من أن فشل المفاوضات الجارية في الدوحة سيدفع المقاومة نحو تصعيد ميداني كبير، مشيرًا إلى أن صفقات تبادل الأسرى الجزئية لن تُقبل بعد اليوم.

القسام: التهديدات ليست دعاية بل واقع ميداني

يرى الباحث السياسي ساري عرابي أن توقيت الخطاب بعد 134 يومًا من الصمت الإعلامي يحمل دلالة على رسالة محكمة التنظيم والمضمون. وأوضح أن خطاب أبو عبيدة:

يكرّس حضوره كرمز مقاومة في ظل غياب قيادات ميدانية أخرى.

يُعيد التأكيد على وحدة فصائل المقاومة وتكامل أدوارها، خاصة مع سرايا القدس.

يوجه تحذيرًا للعدو والمجتمع الدولي بأن الصمت يعني مزيدًا من التصعيد.

في المقابل، شدد الباحث مهند مصطفى على أن أبو عبيدة أراد تحويل "معركة الوقت" من ورقة بيد الاحتلال إلى سلاح استنزاف بيد المقاومة، في ظل تعاظم خسائر إسرائيل النفسية والميدانية رغم مرور 650 يومًا على بداية العدوان دون حسم.

خطاب تحريضي وتحريك للشعوب والهيئات العربية

الكاتب والمحلل السياسي محمد القيق أشار إلى أن الخطاب تضمّن تحريضًا مباشرًا للشعوب والبرلمانات والهيئات الحزبية والنقابية في الوطن العربي، واعتبر أن زمن البيانات والتصريحات التقليدية قد انتهى.

وقال إن أبو عبيدة "لم يوجه اللوم فقط، بل قدّم دعوة للتحرك وتحقيق الفاعلية السياسية والشعبية لمنع تمدد المشروع الإسرائيلي في المنطقة، خصوصًا في ظل التطورات الميدانية في لبنان وسوريا".

بين الحصار والإبادة: غزة تنزف منذ أكتوبر 2023

منذ 7 أكتوبر 2023، ترتكب إسرائيل جرائم إبادة جماعية ممنهجة في قطاع غزة، تشمل قتل المدنيين، وتجويعهم، وتدمير البنية التحتية، وتهجير مئات الآلاف.

وحتى اليوم، تجاوزت حصيلة العدوان 198,000 شهيد وجريح، بالإضافة إلى أكثر من 11,000 مفقود، ومجاعة أودت بحياة العديد من الأطفال، وسط صمت دولي وتواطؤ أميركي.