-
℃ 11 تركيا
-
16 سبتمبر 2025
التطبيع على الحافة: من سيكسر القواعد أولاً؟
التطبيع على الحافة: من سيكسر القواعد أولاً؟
-
16 سبتمبر 2025, 2:32:42 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
قال المحلل الإسرائيلي ليؤر بن آري إن الذكرى الخامسة لتوقيع "اتفاقيات أبراهام" تأتي هذا العام في مناخ إقليمي شديد الاضطراب، حيث تتزاحم الأزمات السياسية والعسكرية في المنطقة لتفرض تحديات كبرى على مسار هذه الاتفاقيات، وتثير أسئلة مقلقة بشأن مستقبلها وإمكانية أن تنضم إليها دول جديدة. وأضاف أن الأحداث الأخيرة، وعلى رأسها الهجوم على قطر وما تلاه من حراك عربي وإسلامي واسع، كشفت عن هشاشة هذا المسار التطبيعي، وأعادت تسليط الضوء على حدود قدرة إسرائيل على الحفاظ على علاقات مستقرة مع شركائها في المنطقة.
وبحسب ما نشره الكاتب في مقال بصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، اليوم الأحد، فإن هذه التطورات المتسارعة تعكس واقعاً مغايراً تماماً لما كانت عليه الأجواء في سبتمبر 2020، عندما جرى الاحتفاء بالاتفاقيات باعتبارها "اختراقاً تاريخياً" في علاقات إسرائيل الإقليمية. وتشير الصحيفة إلى أن قمة الدوحة الأخيرة، وما سبقها من اجتماع لوزراء الخارجية العرب، مثّلت تحدياً مباشراً لإسرائيل، إذ جاءت إدانات الهجوم شاملة، حتى من دول ارتبطت معها بعلاقات رسمية وعلنية منذ توقيع الاتفاقيات.
الكاتب ليؤر بن آري، وهو من المعلقين البارزين في الشؤون الإسرائيلية – العربية داخل "يديعوت أحرونوت"، قدّم قراءة تحليلية تنطلق من رؤية أمنية – سياسية، يرى من خلالها أن المرحلة الراهنة تضع تل أبيب أمام اختبار عسير: هل تستطيع الحفاظ على ما تحقق من "اختراقات" في ملف التطبيع، أم أن التراكمات الأخيرة قد تؤدي إلى انتكاسة واسعة تُعيد إسرائيل إلى نقطة الصفر في علاقاتها مع محيطها العربي؟
توترات متصاعدة
يشير المقال إلى أن الهجوم الإسرائيلي على قطر لم يكن مجرد حادثة عابرة، بل فجّر سلسلة من المواقف العربية والإسلامية الغاضبة، الأمر الذي دفع حتى الدول المطبّعة إلى اتخاذ خطوات غير مسبوقة في انتقاد إسرائيل. فقد قامت الإمارات باستدعاء نائب السفير الإسرائيلي لتوبيخه، في رسالة واضحة بأن صبرها بدأ ينفد، خصوصاً في ظل استمرار السياسات التي تُحرج شركاء التطبيع أمام شعوبهم.
ويضيف الكاتب أن هذه الأزمة لا يمكن فصلها عن السياق الأوسع للحرب المستمرة منذ عامين، والتي امتدت من غزة إلى لبنان وسوريا وإيران واليمن. هذا التوسع الميداني جعل كلمة "التطبيع" صعبة الهضم حتى بالنسبة إلى الأطراف التي كانت تُروّج له، إذ أصبحت الأولويات الآن متركزة على كيفية احتواء الأزمات لا على فتح مسارات جديدة للتقارب مع إسرائيل.
خطوط حمراء إماراتية
من أبرز النقاط التي ركز عليها المقال، التحذيرات الإماراتية العلنية من أن أي خطوة إسرائيلية لضم أجزاء من الضفة الغربية تمثل "خطاً أحمر"، وهو توصيف غير مسبوق في خطاب أبوظبي العلني تجاه تل أبيب. هذه الرسالة لم تأتِ من فراغ، بل تعكس إدراكاً متزايداً داخل الإمارات بأن استمرار التعاون مع إسرائيل لا يمكن أن يتم بمعزل عن مراعاة القضايا الفلسطينية الجوهرية، وعلى رأسها مستقبل الضفة الغربية والقدس.
وفي السياق ذاته، أوضح الكاتب أن الأردن ومصر، وهما الدولتان العربيتان اللتان سبقتا غيرهما في توقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل، واجهتا أيضاً مواقف حرجة خلال العامين الماضيين، بسبب تصريحات إسرائيلية مرتبطة بالمسجد الأقصى وبنشاطات في منطقة محور فيلادلفيا. هذه التصريحات خلقت حالة من الاحتقان الدائم، وأكدت أن حتى "السلام القديم" لم يعد في مأمن من التوترات المستجدة.
التطبيع تحت الضغط
يرى بن آري أن دول التطبيع مثل الإمارات والمغرب، رغم ارتباطها باتفاقيات رسمية مع إسرائيل، تبقى جزءاً من العالم العربي والإسلامي، وبالتالي فهي حريصة على الحفاظ على مكانتها في محيطها. هذا الحرص يجعل من الصعب عليها المضي قدماً في خطوات تطبيع علنية جديدة، خصوصاً في ظل غضب شعبي وإعلامي متصاعد بسبب الحرب.
ويضيف أن المواقف الرسمية لهذه الدول لا تعني بالضرورة أنها باتت أقرب إلى "حماس" أو "حلفائها"، لكن مجرد الامتناع عن دعم إسرائيل في هذه المرحلة يُعتبر بحد ذاته تراجعاً عن الروح التي وُلدت بها اتفاقيات أبراهام. فالبيئة الحالية تفرض معادلات جديدة، تجعل الصمت أو التراجع خطوة لها وزنها السياسي، وتكشف أن الكلفة الداخلية للتطبيع أصبحت أكبر بكثير مما كانت عليه قبل خمس سنوات.
سيناريوهات المستقبل
في خاتمة مقاله، يشدد الكاتب على أن المرحلة المقبلة ستكون بمثابة السير على حبل مشدود، حتى مع "الأصدقاء المعتدلين"، فالتوازنات هشة، والاستفزازات المتكررة قد تدفع طرفاً ما إلى كسر القواعد. وهنا يطرح السؤال المركزي: من سيتحمّل أكثر؟ ومن سيبادر أولاً إلى خرق التفاهمات غير المعلنة التي تحكم هذه العلاقات؟
ويحذّر بن آري من أن فشل الحفاظ على هذه الترتيبات لن يكون مجرد خسارة سياسية، بل سيصب مباشرة في مصلحة "أعداء إسرائيل"، الذين يسعون لتشكيل محور جديد مضاد لها. هذا الاحتمال لا يقتصر على الخطابات أو المؤتمرات، بل قد يتحول إلى تحالف عملي على الأرض، خاصة في ظل الغضب المتراكم عقب الهجوم على الدوحة. وفي ظل هذه الأجواء، تبدو اتفاقيات أبراهام، في ذكراها الخامسة، أبعد ما تكون عن الاحتفالية، وأقرب ما تكون إلى لحظة اختبار وجودي لمستقبلها.









