-
℃ 11 تركيا
-
14 سبتمبر 2025
د. إبراهيم جلال فضلون يكتب: غزة بين كهف الموت وحباري الأمم
د. إبراهيم جلال فضلون يكتب: غزة بين كهف الموت وحباري الأمم
-
13 سبتمبر 2025, 12:09:10 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
د. إبراهيم جلال فضلون يكتب: غزة بين كهف الموت وحباري الأمم
يُروى أن أفلاطون تخيّل بشراً محبوسين في كهفٍ لا يرون من العالم سوى ظلالٍ على الجدار، فيظنونها الحقيقة الكاملة. وعندما خرج أحدهم ليكتشف الواقع الأوسع، لم يصدّقه رفاقه واتهموه بالجنون.
"في يوم رمادي من أيام القيود، أُفرِج عن أسير من كهفٍ مظلم لا يرى فيه إلا ظلال الآخرين على جدارٍ بارد. خرج إلى ضوء الشمس فذهل: ما اعتقده واقعاً لم يكن سوى انعكاسٍ ضئيلٍ ومشوَّه".
هكذا العقل إذا ظل محتجزاً في كهف الانتماءات والموروثات، وكأنهم أصنام كهف، يحبس العقول داخل قوالب من الوهم والتحيّز، ولن يعرف الحقيقة حتى يتحرر ويواجه البدائل.
واليوم، يبدو أن العالم بأسره محاصر داخل هذا الكهف الذي تفرضه إسرائيل، وتُدعمه البلطجة الأميركية، حيث يُراد للناس أن لا يرون أو يُشاهدوا حتى في أحلامهم إلا ما تبثه الرواية الإسرائيلية فقط، بينما الحقيقة الكاملة تُحجب خلف جدران غزة المدمّرة، لتظل هذه الأصنام تعمل في الخفاء، تغلق الأبواب أمام النقد والمراجعة، وتموت فيها العدالة البشرية والرحمة حتى يضطر المرء إلى انتزاع نفسه مقابل أفق أرحب. ليحتاج العقل إلى «خروجٍ من الكهف» بجرأة السؤال، والقدرة على إعادة ترتيب المعطيات بكامل الحياد. حينها تنفتح العينان على حقيقة الأحوال، ويدرك المرء أنه كان يعيش على نصف صورةٍ فقط من الواقع.
فمنذ تأسيس الأمم المتحدة وولادة القضية الفلسطينية معاً، ظل المنبر الدولي ساحةً حرب وسباق لعرض المظالم العربية، يصده بجنون أ, حبور الموت «فيتو» أميركي واحد ينسف كل شيء. حتى بات الفلسطينيين مهدّدين بحرمانهم من دخول القاعة نفسها. فالعالم الذي صفق لغصن الزيتون في يد ياسر عرفات عام 1974، يمنع اليوم حتى صوت محمود عباس من الوصول إلى المنبر، ليكون المتحكم عجرفة قانون الغاب لتصفية فكرة الدولة الفلسطينية، بل دفن حل الدولتين تحت ركام غزة. منذ طوفان الأقصى بالسابع من أكتوبر، لتسقط ورقة التوت بأبعاداً جديدة للألغام الذهنية، حين صنّف الموانع الأربعة التي يواجهها العقل. من بينها «صنم الكهف». لكن التحديات هائلة: إسرائيل تحاول تحويل القضية من صراع على السيادة إلى مجرد ملف مساعدات إنسانية؛ بينما الدعم الأميركي المطلق يمنحها فرصة تاريخية لفرض «إسرائيل الكبرى» وتفريغ القطاع من سكانه، لتتغير خريطة الصراعات بالمنطقة، من محور المقاومة إلى شللٍ مُزمن، بينما صار المحور الأصولي مُحتبساً خلف توازناتٍ سياسية واقتصادية تُجبره على ردم الهوة بين طموح الخلافة وأوزار الواقع. فصورة غزة، تُعيد للأذهان مأساة الهولوكوست ذاتها، لكن هذه المرة بيد إسرائيل.. فحلّت الشعارات الجوفاء مكان الرؤي العقلانية التي تدعمها السعودية كشريكة مع باريس في مؤتمرات دولية لتفعيل حل الدولتين، وتصدّر دول الخليج العربية ومصر مشهد المواجهة الدبلوماسية مع إسرائيل، ليزداد التعاطف الدولي إلى اعترافات متزايدة بالدولة الفلسطينية (147 دولة حتى الآن).
هكذا، يقف العالم أمام مفترق طرق:
• إمّا أن يبقى أسير «صنم الكهف»، مكتفياً بظلال تروّجها إسرائيل.
• أو أن يخرج إلى الضوء، ليكتشف أن ما يحدث في غزة ليس «عملية أمنية» بل محرقة متجددة، وأن حل الدولتين لم يعد خياراً سياسياً فحسب، بل خط الدفاع الأخير أمام محو فلسطين بالكامل.
إنها كيانات لعوب... تتقن فن المراوغة السياسية كإمرأة لعوب تتنقّل بين الرجال بعلاقات متزامنة ومتتالية دون حياء أو رادع، بل ودون نية صادقة أو نهاية سليمة، كمن يملك عشيقًا غنيًا وآخر صاحب سلطة وثالثًا يبتزها، يعرفون أن النهاية لن تكون نظيفة، لكنهم يواصلون اللعبة. واليوم، جاء العقاب: تجميد، منع، سحب صلاحيات... كأن الستار أُسدل على مسرح الإغواء، ووضعها في تابوت حبارير الموت.
فهل تصل الصورة الذهنية والنفسية في غزة، إلى أن تُصبح في الذاكرة الأخلاقية للغرب كما كانت صورة الهولوكوست؟ وإذا حدث ذلك، فهل يغيّر العالم روايته قبل أن يفوت الأوان؟.. لتبقى التحديات جبارة: الحرب مستمرة، والحصار قائم، والمساعدات تُباد، بما يزيد فرص الاحتلال المتعدد على حساب الحل السياسي، فهل سنتمكن من تحرير عقولنا من أصنام الكهف السياسي والإعلامي؟.









