-
℃ 11 تركيا
-
17 سبتمبر 2025
د. محمد الصاوي يكتب: غزة..صليبية القرن 21 بأدوات أمريكية–إسرائيلية… إبادة باسم الرب
د. محمد الصاوي يكتب: غزة..صليبية القرن 21 بأدوات أمريكية–إسرائيلية… إبادة باسم الرب
-
17 سبتمبر 2025, 9:19:03 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
من مذابح القدس إلى محرقة غزة: صليبية بثوب حديث
التاريخ يعيد نفسه
لم تكن الحروب الصليبية التي اجتاحت المشرق العربي بين القرنين 11 و13 مجرد صراع ديني حول القدس، بل كانت مشروعاً غربياً متكاملاً تحت غطاء الصليب. رفع البابا أوربان الثاني الشعار الديني، لكن خلفه كان يقف أمراء الإقطاع وتجار البندقية وجنوه، يسعون إلى الثروة والسيطرة على طرق التجارة. فالدين كان مجرد حصان طروادة لتعبئة الجماهير وإضفاء القداسة على مشروع استعماري دموي.
واليوم، بعد قرابة ألف عام، يعيد التاريخ إنتاج نفسه بصورة أبشع. الحرب الأميركية–الإسرائيلية على غزة ليست سوى حملة صليبية جديدة، حيث استُبدل شعار الصليب بعبارة “مكافحة الإرهاب”، واستُبدل فرسان المعبد بطائرات إف–35 وصواريخ هيمارس، واستُبدلت خطبة البابا في كليرمونت بخطابات بايدن وترامب ونتنياهو واليمين الإنجيلي المتطرف في واشنطن.
الدين غطاء.. والمصالح هي المحرك
كما صوّر الصليبيون المسلمين كـ”كفار وبرابرة”، يصور الإعلام الغربي اليوم المقاومة الفلسطينية كـ”إرهاب” يجب استئصاله. وكما وعد البابا الجنود بالجنة والغنائم، تعد شركات السلاح الأميركية وإسرائيل جماهيرها بـ”الأمن والسلام”، بينما تحصد المليارات من دماء غزة.
الأمر يتجاوز غزة إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط: السيطرة على غاز المتوسط، تأمين الممرات البحرية من قناة السويس إلى الخليج، وضرب أي قوة إقليمية قد تشكل تهديداً للتفوق الغربي. تماماً كما كانت تجارة التوابل والحرير محركاً للحملات الصليبية القديمة، فإن النفط والغاز والسلاح هي محركات الصليبية الجديدة.
الدماء شاهدة: من القدس إلى غزة
حين اقتحم الصليبيون القدس عام 1099، ذبحوا أكثر من 70 ألف مسلم داخل أسوار المدينة في ثلاثة أيام، وملأت الدماء أزقة الأقصى وكنيسة القيامة معاً. أما في الحملة الصليبية الثانية على عكا، فقد قتل نحو 60 ألفاً، وفي أنطاكية وحلب تجاوز القتلى عشرات الآلاف. تلك المجازر سُمّيت حينها “حكماً إلهياً عادلاً”.
واليوم، بين عامي 2023 و2025، تجاوز عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة 120 ألف شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، وفق تقديرات الأمم المتحدة والصليب الأحمر. تُقصف المستشفيات والمدارس، تُمحى أحياء بأكملها من الخارطة، ويُحاصر أكثر من مليوني إنسان بلا ماء ولا كهرباء ولا دواء. وبينما يتباهى نتنياهو بـ”حق الدفاع عن النفس”، يكرر الغرب الأكذوبة ذاتها التي شرّعت مذبحة القدس قبل ألف عام.
نتنياهو وشعارات الدم باسم الرب
كما رفع البابا أوربان الثاني شعار “الله يريدها”، يرفع بنيامين نتنياهو شعارات دينية لتغطية حرب الإبادة في غزة. في خطاباته، يستدعي “سفر التوراة” و”أرض الميعاد” و”شعب الله المختار”، ليضفي على مذابحه قداسة مزيفة.
يذبح نتنياهو الفلسطينيين باسم الرب، وكأن قتل الأطفال والنساء عبادة، وكأن محو غزة من الوجود “وصية سماوية”. هذه الشعارات ليست سوى أداة لتعبئة الداخل الإسرائيلي وحشد الدعم من اليمين الإنجيلي الأميركي، الذي يرى في إبادة الفلسطينيين تمهيداً لـ”معركة نهاية الزمان”.
شهادات حية: صوت الضحايا
أحد الناجين من قصف حي الشجاعية يقول:
“سمعنا الطائرات قبل أن تسقط القنابل، والأطفال يبكون في الشوارع. لم يعد هناك مكان آمن، حتى المستشفيات أصبحت هدفاً.”
هذه الشهادات الإنسانية تربط الماضي بالحاضر، وتؤكد أن غزة، مثل القدس عام 1099، أصبحت مسرحاً لإبادة ممنهجة تحت شعار ديني وسياسي.
أبعاد إقليمية
الحملة الأميركية–الإسرائيلية على غزة لا تستهدف الفلسطينيين فقط، بل إعادة ترتيب ميزان القوى في المنطقة. السيطرة على الغاز والنفط، تقييد النفوذ الإيراني، وتهدئة تركيا ومصر، كلها أهداف تتوازى مع أهداف الحملات الصليبية القديمة: توسيع النفوذ والسيطرة على طرق التجارة الحيوية.
صليبية جديدة بأدوات القرن 21
ليست حرب غزة مجرد مواجهة محلية، بل فصل جديد من الحروب الصليبية. الغرب لم يتغير؛ مصالحه أولاً، ودينه مجرد ذريعة.
وما لم تدرك الأمة الإسلامية أن ما يجري هو صراع وجود، وأن غزة ليست مجرد مدينة محاصرة، بل خط الدفاع الأول عن القدس وعن كرامة أمة كاملة، فإننا سنظل ندور في دوامة صليبية لا تنتهي.
لقد قال المفكر محمد عابد الجابري:
“الغرب مصالح ولا شيء غير المصالح”.
وغزة اليوم تكشف هذا العريّ بلا أقنعة: صليبية جديدة بأدوات القرن 21، ولكن بروح القرون الوسطى نفسها.
كلمات مفتاحية:
- - الاحتلال الإسرائيلي - إبادة فلسطينية - الصليبية الحديثة - نتنياهو - العدوان الأمريكي–الإسرائيلي - حقوق الإنسان - الأطفال والنساء في غزة - القدس والمشرق العربي - الاستراتيجية الغربية في الشرق الأوسط - الغاز والنفط والسياسة - الشعارات الدينية والسياسة - المقاومة الفلسطينية - التاريخ يعيد نفسه







