د. محمد الصاوي يكتب: الدوحة تحت النار: حين قررت إسرائيل اغتيال الوساطة قبل اغتيال القادة

profile
د. محمد الصاوي باحث في العلاقات الدولية
  • clock 9 سبتمبر 2025, 6:31:45 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
الدوحة تحت النار

في التاسع من سبتمبر 2025، اخترقت إسرائيل سقفًا سياسيًا غير مسبوق حين نفّذت ضربة جوية في قلب الدوحة استهدفت قيادات بارزة من حركة حماس، وبينهم خالد الحيّة، أحد آخر رجالات الصف الأول المتبقين بعد اغتيال إسماعيل هنية ويحيى السنوار.


الحدث ليس مجرد عملية اغتيال جديدة في سجل طويل من التصفيات الإسرائيلية، بل هو زلزال استراتيجي يعيد طرح سؤالين جوهريين:
هل ما زالت هناك حرمة للسيادة في النظام الدولي؟
وهل اغتالت إسرائيل الدور القطري كوسيط قبل أن تغتال رجال حماس أنفسهم؟
 


اغتيال الوساطة قبل الاغتيال الجسدي


الدوحة لم تكن مجرد جغرافيا آمنة لقيادات حماس، بل كانت غرفة العمليات الدبلوماسية التي تدور فيها مفاوضات وقف إطلاق النار. وحين تقصف إسرائيل هذه الغرفة، فهي لا تقتل شخصًا بعينه، بل تقتل فكرة الوساطة الخليجية برمتها.


إنها تقول بصوت عالٍ: لا وسطاء، ولا حصانة، ولا اعتبارات ديبلوماسية أمام الأمن القومي الإسرائيلي.


بهذا المعنى، لم تكن الضربة مجرد اختراق أمني، بل اختراق سياسي هدفه نسف قواعد اللعبة قبل أن تُكتب بنود الاتفاق.

 

 سيادة الدول.. أسطورة تتهاوى
 


إدانة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للهجوم باعتباره “انتهاكًا سافرًا للسيادة القطرية” تكشف مأزقًا أعمق:
ماذا تبقى من مفهوم السيادة إذا كانت دولة بحجم قطر، حليفة واشنطن ومركزًا استراتيجيًا للقواعد الأمريكية، عاجزة عن منع قصف جوي على أراضيها؟
إنها لحظة خطيرة تعلن أن القانون الدولي بلا أنياب، وأن منطق القوة هو الحاكم الفعلي للنظام العالمي.

 

من يربح ومن يخسر؟
 


إسرائيل أرادت أن تقول إنها قادرة على ملاحقة خصومها حتى لو كانوا تحت رعاية “الحليف الأمريكي”. لكنها في المقابل وضعت نفسها في مواجهة مباشرة مع:
 الغضب الخليجي، إذ أدانت السعودية والإمارات وتركيا ومصر الخطوة، وهو تلاقي نادر في المواقف العربية.
المخاطر الاقتصادية، إذ ارتفعت أسعار النفط فورًا بأكثر من 1%، ما ينذر بارتدادات أوسع على الأسواق العالمية.
الشارع العربي، الذي لا يقرأ الضربة إلا بوصفها تكريسًا لبطش إسرائيل وشرعية متجددة لمقاومة تُطارَد في كل مكان.

 

بعبارة أخرى، قد تكسب إسرائيل “نصرًا تكتيكيًا” بتصفية قادة، لكنها تُسجّل على نفسها هزيمة استراتيجية على صعيد صورتها الدولية والإقليمية.

 

ما بعد الحدود.. مرحلة جديدة من الصراع
 


الرسالة الأخطر في هذه العملية هي إعلان الدخول في مرحلة “ما بعد الحدود”.
لم تعد غزة أو بيروت أو دمشق وحدها ساحات الاستهداف. اليوم باتت الدوحة نفسها، مركز المال والسياسة والطاقة في الخليج، جزءًا من ميدان المعركة.
هذه السابقة تعني أن الخطوط الفاصلة بين الحرب والدبلوماسية قد تلاشت، وأن أي عاصمة عربية قد تتحول في لحظة إلى ساحة لتصفية الحسابات الإسرائيلية.
 


أخيرا وليس آخرا 
هل كان الأمر يستحق؟

قد يقول قائل: إسرائيل قتلت رجلًا وأضعفت حماس. لكن الحقيقة أعمق: لقد قتلت ما تبقى من الثقة في النظام الدولي، وأضعفت مكانة الوساطة الخليجية، وفتحت الباب أمام تصعيد لا سقف له.
والسؤال الذي يفرض نفسه: إذا لم تجد قطر – بكل ثقلها وتحالفاتها – مظلة تحمي سيادتها، فهل بقيت أي عاصمة عربية في مأمن من نار إسرائيل؟

إنها لحظة فارقة: إما أن تتحول إلى نقطة بداية لصحوة عربية ودولية تضع حدًا لتغوّل إسرائيل خارج حدودها، أو تتحول إلى قاعدة جديدة لزمن “الاغتيالات العابرة للقارات”.

 


 

كلمات دليلية
التعليقات (0)