د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: ويتكوف... هل يُنهي العدوان أم يُعيد ترتيب الأوراق؟

profile
د. محمد إبراهيم المدهون كاتب ووزير فلسطيني سابق
  • clock 29 مايو 2025, 2:36:38 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
ستيف ويتكوف

في ذروة مشهد دموي لا ينتهي، يخرج المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف بورقة تفاوضية تحمل وعودًا بوقف إطلاق نار في غزة لمدة 60 يومًا، تشمل تبادل أسرى وانسحابًا تدريجيًا للقوات الإسرائيلية. ورقة تبدو للوهلة الأولى وكأنها حبل نجاة في بحر الدم، لكنها في العمق تُثير الكثير من الريبة: هل نحن أمام مبادرة لإنقاذ المدنيين؟ أم ورقة دبلوماسية لإعادة تدوير العدوان؟

لنكن واضحين: الولايات المتحدة، التي تقدم نفسها كوسيط، ليست وسيطًا نزيهًا في هذه الحرب. فالإدارة الأميركية، سواء بقيادة ترامب أو غيره، ترتبط بتحالف استراتيجي مع إسرائيل لا يخفيه أحد. والورقة الأميركية الحالية، كما يشير كثير من المحللين، أقرب لأن تكون إعادة إنتاج لشروط نتنياهو تحت غطاء التهدئة، لا مبادرة حقيقية تضمن الحقوق الفلسطينية.

من ناحية حماس، فإن موافقتها المبدئية تكشف عن براغماتية سياسية تدرك حجم الكارثة الإنسانية في غزة، وتعي جيدًا أن استمرار الحرب بلا أفق يهدد ليس فقط سكان القطاع بل مشروعها التحرري أيضًا. لكن هل يعني هذا أن حركة حماس مستعدة للتنازل عن جوهر مطالبها؟

أما (إسرائيل)، فتقف عند مفترق طرق صعب. نتنياهو، الذي يعيش أزمة داخلية عميقة، يعلم أن قبول مثل هذه المبادرة قد يُفكك حكومته المتطرفة، لكنه في المقابل يتعرض لضغط أميركي ودولي غير مسبوق، ومجتمع إسرائيلي يزداد انقسامًا.

وهنا تبرز المعضلة الكبرى: حتى لو تم توقيع الورقة، ماذا عن الضمانات؟ من يضمن ألا يعود الاحتلال ليشن هجماته بمجرد انتهاء فترة التهدئة؟ من يضمن رفع الحصار بشكل حقيقي؟ من يضمن إعادة الإعمار دون ابتزاز سياسي؟

❗ الورقة الأميركية بنسختها الحالية تعاني من عدة ثغرات:
✅ لا تنص على انسحاب كامل وفوري.
✅ لا تُلزم إسرائيل بوقف الحرب بشكل دائم.
✅ تربط المساعدات الإنسانية بشروط تفاوضية.
✅ تغيب عنها أي ضمانات دولية ملزمة، تاركة القرار النهائي بيد الاحتلال.

هل تقبل غزة بمجرد "استراحة محارب" مؤقتة. الشارع الغزي تحديدًا، بعد كل هذا الدمار، يطالب بحل جذري ينهي الاحتلال والحصار، لا مجرد هدنة مؤقتة تعيد العجلة إلى نقطة الصفر.

في النهاية، ورقة ويتكوف ليست مجرد اختبار للإرادات السياسية، بل اختبار لمصداقية العالم كله. هل يريد المجتمع الدولي فعلًا إنهاء الحرب؟ أم أن المطلوب فقط تبريد الجبهة مؤقتًا حتى يرتب الاحتلال أوراقه؟

إن ما تحتاجه غزة اليوم ليس مبادرات مشوّهة أو تفاهمات ناقصة، بل اتفاقًا عادلًا ينهي الاحتلال، ويوقف المحرقة ويرفع الحصار، ويضمن الحقوق الوطنية. وما لم يتحقق ذلك، فإن الورقة المطروحة – أميركية المنشأ والغاية –  لشراء وقت لترتيب الأوراق والمشهد بنكهة أمروصهيونية.

 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)