-
℃ 11 تركيا
-
15 يونيو 2025
د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: صفقة في الأفق ومآلات المحرقة
أهل غزة لا يملكون إلا الانتظار
د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: صفقة في الأفق ومآلات المحرقة
-
26 مايو 2025, 2:53:50 م
-
462
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعبيرية
في قلب اللهب، حيث يتساقط النار فوق رؤوس الأطفال، وترتجف الأرض تحت قنابل لا تعرف شفقة، تقف غزة على شفير لحظة فارقة. ليست لحظة انتصار ولا هزيمة، بل لحظة مساومة. من بين أنقاض البيوت، وجثث الشهداء، وصراخ الأمهات، يرتسم في الأفق شبح صفقة ــ صفقة قد لا تنهي الحرب، لكنها قد تكسر حدّة السكين المسنون على عنق غزة.
العالم يرقب، والصهاينة يترددون، وغزة تلوّح بالأسرى، والوسطاء يسابقون الوقت بين الدوحة والقاهرة وواشنطن، بينما أهل غزة لا يملكون إلا الانتظار… وانتظارهم مشوب بالدم، بالحصار، بالجوع، وبصبر يعجز عنه الصبر.
فهل نحن أمام فجر صفقة تفكك خيوط المحرقة؟ أم أنها استراحة تُمهّد لجولة أشد وأعتى؟ هذه ليست مجرد سياسة… هذه معركة بقاء. ومع كل ساعة تمر، ترسم غزة بدمها ملامح الشرق الأوسط القادم.
تتشابك خيوط المشهد في محرقة غزة اليوم عند احتمالية متزايدة لعقد صفقة توقف حمام الدم المستمر، وسط مفاوضات غير مباشرة تقودها أطراف إقليمية ودولية، أبرزها قطر ومصر بوساطة بشارة بحبح وستيف ويتكوف، وبرعاية أمريكية واضحة عبر إدارة ترامب. ملامح الصفقة المطروحة تدور حول وقف إطلاق نار يمتد لسبعين يومًا مقابل إطلاق سراح عشرة أسرى فلسطينيين (خمسة أحياء وخمسة جثامين)، وضمان دخول ألف شاحنة مساعدات يوميًا، مع فتح نقاشات حول ملفات أكثر تعقيدًا مثل مستقبل الأمن في غزة، حكومة تكنوقراط فلسطينية، وإعادة الإعمار، بما يطرح مؤشرات أولية لإعادة تشكيل المعادلة السياسية في القطاع.
هذه الوساطة تأتي في وقت حساس، إذ تدفع واشنطن حكومة الاحتلال للتريث قبل استكمال السيطرة على كامل غزة، خوفًا من الانهيار الإنساني الكارثي وتداعيات العزلة الدولية المتفاقمة، خاصة بعد تصاعد الدعوات الأوروبية — مثل موقف وزير الخارجية الإسباني — لفرض عقوبات على إسرائيل. بينما في الداخل الإسرائيلي، يظهر ارتباك واضح؛ نتنياهو يناور للبقاء سياسيًا، متذرعًا بتحذيرات زائفة من هجوم قبل السابع من أكتوبر، في وقت تؤكد فيه تسريبات ووثائق أن ما جرى لم يكن سوى فحص أمني روتيني.
في الميدان، ورغم إعلان الجيش الإسرائيلي سيطرته على 40% من أراضي غزة، تواصل المقاومة الفلسطينية إثبات قدرتها على ضرب العمق الصهيوني وإرباك خطط الاحتلال، وهو ما يزيد من أوراقها التفاوضية في أي صفقة قادمة. في المقابل، ترفض المؤسسات الفلسطينية والقطاع الخاص الآليات الإسرائيلية لتوزيع المساعدات، معتبرة أنها أداة للتهجير وفرض وقائع سياسية على الأرض.
من هنا، تبدو احتمالية عقد الصفقة خلال الأيام القليلة المقبلة هي السيناريو الأبرز، مدفوعة بتقاطع مصالح الأطراف المختلفة التي تسعى إلى مخرج من دوامة الاستنزاف دون خسارة أوراق القوة الرئيسية. الصفقة المرتقبة لا تعني نهاية المعركة، لكنها قد تفتح نافذة سياسية لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وطرح ملفات الوحدة الوطنية وإدارة القطاع بصورة جديدة، بعيدًا عن الشعارات وضمن مقاربة عملية تشرف عليها حكومة تكنوقراط مدعومة دوليًا. ومع أن احتمالات التصعيد الصهيوني لا تزال قائمة، خاصة في حال تعثر المفاوضات أو تصاعد الضغط الداخلي على حكومة التطرف اليميني، إلا أن المؤشرات الحالية ترجح أن واشنطن وتل أبيب تميلان للتهدئة المؤقتة كاستراحة ضرورية لإعادة تموضع استراتيجي، فيما تبقى المقاومة الفلسطينية مطالبة بالحفاظ على جاهزيتها السياسية والميدانية لمرحلة ما بعد الصفقة. كل ذلك يجري وسط مشهد إنساني ثقيل يُعيد تذكير العالم بأن غزة ليست مجرد ساحة معركة بل اختبار حي لمدى بقاء الضمير الدولي حيًا في وجه آلة الإبادة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.







