-
℃ 11 تركيا
-
17 سبتمبر 2025
حرب التهجير والإبادة الممنهجة: «عربات جدعون 2» بين الرغبة في الردع وصلابة المقاومة
حرب التهجير والإبادة الممنهجة: «عربات جدعون 2» بين الرغبة في الردع وصلابة المقاومة
-
17 سبتمبر 2025, 12:11:37 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
تمثل العملية العسكرية التي أطلقها الاحتلال الإسرائيلي تحت اسم عربات جدعون 2 تصعيداً جديداً في الحرب على غزة، حيث أعلن الاحتلال أنها تشمل عشرات آلاف الجنود من الفرقتين 162 و98، مع انضمام الفرقة 36 خلال الأيام المقبلة، إضافة إلى استدعاء نحو 60 ألف جندي احتياط. أعلن الاحتلال أن الهدف الأساسي من الخطة هو ممارسة الضغط على حركة حماس وفصائل المقاومة لكسر إرادتها وانتزاع الأسرى، باعتبار أن الخيار العسكري وحده هو الذي يعيد المحتجزين لديها، لكن الفلسطينيين يرون أن الهدف الحقيقي هو تدمير ما تبقى من مناطق سكنية في القطاع بحيث يصبح غير قابل للحياة.
أهداف العملية
من المهم الإشارة إلى أن العملية تجري على مراحل تدريجية، بعد أسابيع من القصف الجوي المكثف وفرض تهجير واسع على مناطق عدة من غزة مثل الزيتون وصبرة وشمال وغرب المدينة، ما أسفر عن تدمير أكثر من 3600 بناية وبرج بشكل جزئي أو كلي، وتدمير آلاف الخيام. وتقدّر الأوساط العسكرية أن العملية البرية قد تمتد إلى نحو ثلاثة أشهر، وسط تحذيرات من خسائر بشرية كبيرة نتيجة التعقيدات اللوجستية المرتبطة بالبيئة المقتظة والحضرية التي تجعل أي عمل بري واسع محفوفاً بالمخاطر.
أطلق الاحتلال على هذه العملية اسم "عربات جدعون 2" وأعطاها أكثر من هدف معلن وغير معلن؛ فهو يسعى لإظهار أنه ما زال يملك القدرة على كسر إرادة المقاومة والتوغل في قلب مدينة غزة، لكنه في العمق يحاول استعادة صورة الردع وفرض واقع ميداني جديد من خلال تدمير الأحياء والمرافق، بما يجعل غزة غير قابلة للحياة ويدفع السكان للنزوح القسري. كما تهدف العملية إلى إطالة أمد الحرب من أجل إبقاء نتنياهو وحكومته المتطرفة في موقع سياسي آمن داخلياً، وإبعاد الضغوط المتزايدة من المؤسسة الأمنية والعائلات الإسرائيلية التي تطالب بعودة الرهائن.
أزمة الاحتلال
يقف الجيش الإسرائيلي اليوم أمام تناقض جوهري؛ فمن جهة يريد السيطرة الميدانية وتحقيق صورة النصر، ومن جهة أخرى يخشى الكلفة البشرية والسياسية لأي عملية برية واسعة، ما يؤدي إلى تعثر الخطة الأصلية للمناورة البرية. ودفع هذا التناقض القيادة العسكرية والسياسية إلى اعتماد بدائل تقوم على سياسة الإبادة والضغط النفسي والجسدي على سكان غزة، وهو ما يعد انعكاساً مباشراً لمأزق عميق يعاني منه الاحتلال، أكثر مما هو دليل قوة.
إن المعوقات أمام الاحتلال كبيرة ومعقدة؛ فالمقاومة ما زالت تمتلك القدرة على الصد وتنفيذ العمليات، وأثبتت أنها قادرة على المناورة واستنزاف القوات الإسرائيلية في بيئة حضرية معقدة مثل شوارع وأزقة غزة. كما أن التوغل في مناطق مكتظة بالسكان وتحتها شبكة أنفاق متشعبة يجعل أي عملية بطيئة ومكلفة. لذلك يحاول الاحتلال الجمع بين تدمير أوسع نطاق ممكن من الأحياء والمراكز المدنية وبين التقدم البري بحذر شديد لتقليل خسائره، ما يفسر الوتيرة البطيئة التي قد تمتد لأشهر، في ظل عدم امتلاكه مقومات الحسم السريع لا عسكرياً ولا سياسياً.
التهجير القسري
كما أن الأهداف العسكرية والسياسية للاحتلال متداخلة، ولا يمكن الفصل بينها. فعلى المستوى الميداني يسعى الاحتلال إلى دفع مئات آلاف من سكان غزة للنزوح، لأن بقاء الناس داخل المدينة يعرقل خططه ويكشف فشله، ولذلك يلجأ إلى القصف المكثف وقطع الاتصالات واستهداف مراكز الإيواء. وفي الوقت نفسه، فإن إطالة أمد الحرب هي مصلحة مباشرة لنتنياهو، الذي يدرك أن أي توقف للعمليات سيفتح ملفات الفشل الأمني والاستخفاف الذي أدى إلى ما جرى في السابع من أكتوبر. وبالتالي، فإن أي تحرك عسكري ليس مجرد عملية ميدانية محدودة، بل يهدف قبل كل شيء إلى حماية مصالح نتنياهو وإبقائه في موقع النجاة السياسية.
قوة المقاومة
وفي ما يتعلق بقدرات المقاومة، فهي ما زالت تملك القدرة على المناورة رغم مرور نحو عامين على الحرب. فالفصائل، ورغم محدودية إمكاناتها مقارنة بآلة الحرب الإسرائيلية وافتقارها لسلاح جوي أو خطوط إمداد مفتوحة، أثبتت قدرتها على الصمود والتكيف مع البيئة القتالية داخل غزة. وأعطت البيئة الحضرية المقاومة أفضلية واضحة عبر شبكة أنفاق معقدة وحرب شوارع وعمليات مباغتة وكمائن، جعلت من كل شارع ميداناً ومن كل مبنى نقطة مواجهة.
إن هذه الأدوات رسخت معادلة الاستنزاف التي أثبتت أن القوة النارية مهما بلغت لا تعني النصر في بيئة حضرية مكتظة ومعقدة. واعترف جيش الاحتلال نفسه بأن كل عملية برية تطلبت إعادة التموضع والانسحاب بعد أيام من الاشتباكات. وبرغم الكلفة الباهظة للحرب على غزة، فإن القدرة القتالية للفصائل لم تُكسر، وما يجري اليوم في أحياء مدينة غزة يؤكد أن الاحتلال ما زال عاجزاً عن حسم المعركة، رغم كل التدمير والدماء التي تسيل في القطاع.








