(قراءة في المشهد الفلسطيني | تقدير موقف)

د.صلاح أبو غالي يكتب: السلطة الفلسطينية:: مآلات ومخاطر الإنهيار وأدوات وسبل المواجهة..!!

profile
د. صلاح أبو غالي باحث ومحلل إستراتيجي
  • clock 2 سبتمبر 2025, 12:47:03 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

عندما نمعن النظر في الأحداث الدراماتيكية التي تدور في الساحة الفلسطينية، نرى أن هناك حرباً شاملة على المكوِّن الفلسطيني على اختلاف ألوانه وأطيافه السياسية، ففي حين يشن الكيان الصهيوني حرب إبادة وتجويع، وتطهير عرقي، واجتثات لكل ما هو فلسطيني من أرض غزة، تدور حربٌ أخرى على ساحة الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني 48، يمارس خلالها الكيان الصهيوني كافة أنواع البلطجة، ويوظف فيها كافة أدواته، من ممارسة اجتياحات ليلية ونهارية واقتحام البيوت، والاعتقالات، ومصادرة الأراضي، وتدنيس المقدسات، وارتكاب جرائم بغطاء من شرطة الكيان في الداخل الفلسطيني، ونشر الجريمة المنظمة، والتضييق المستمر، وسحب الهوية والإبعاد القسري، وحملة ضرائب أرنونا شرسة، وهدم ممنهج للبيوت على خلفية عدم الترخيص، أو البناء في مناطق ممنوعة، والملاحقة الشاملة وسياسة تكميم الأفواه.. 
إلا أنه ورغم كل ذلك، لَم تذهب السلطة إلى الجنائية الدولية، ولا زالت تقدِّس التنسيق الأمني، ولم تقبل بحلول الشراكة والوحدة الوطنية، وتخلَّت عن دورها السياسي تجاه غزة التي تُذبح وتُباد في صمت.. 


بموازاة ذلك، نرى أن أحد أهم التحديات التي باتت تواجه السلطة الفلسطينية وتُضعف مكانتها السياسية هو وضعها المالي، في ظل حالة الانكماش الاقتصادي وتراجع مستوى النمو نتيجة الحرب المستمرة على غزة، والإجراءات المجحفة التي يمارسها ويقوم بها الكيان الصهيوني في الضفة الغربية على مدار السنوات الماضية، هذا فضلاً عن أزمة النقد الناتجة عن رفض حكومة الكيان تسلُّم مليارات الشواكل المتكدسة في البنوك والمصارف الفلسطينية، وما ترتب على ذلك من تأثيرات سلبية وعميقة تهدد الحركة الاقتصادية والقطاع المالي الفلسطيني برمته..

 مشروع وطني يواجه انتقادات داخلية حادة:


اقتباس: أسامة النجار، رئيس اتحاد نقابات المهن الصحية الفلسطينية : "من قال إن السلطة مشروع وطني فقط؟ السلطة مشروع أميركي إسرائيلي وإماراتي وأردني ومصري ودولي، وجميعهم مع بقائها". هذه العبارات وردت في مقابلة إذاعية معه ،  في ظل عدم وفاء الحكومة بالتزاماتها المالية تجاه موظفيها، وفي ظل تصاعد واسع للاحتجاجات عبر مواقع التواصل الإجتماعي، والحراك الشعبي، وعبر الأطر النقابية.
اقتباس: محمد مصطفى، رئيس الوزراء الفلسطيني: "يتم بذل جهود دبلوماسية وقانونية وبكل الوسائل الممكنة لمعالجة هذا الموضوع"، أعلن أن "هذا الوضع لا يمكن احتماله وهو وضع غير اعتيادي وقد يحتاج منا إجراءات غير اعتيادية".
لقد شكَّلت السلطة الفلسطينية إطاراً سياسياً ومظلة لإدارة شؤون الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة منذ تأسيسها، من خلال مؤسسات تقدم الخدمات الأساسية، وتنسق في الملفات الأمنية والمدنية، وبالتالي، فإنّ انهيارها سيخلق فراغاً كبيراً على مستوى تقديم الخدمات الأساسية، ما يُضعف قدرة المجتمع الفلسطيني على تنظيم شؤونه الحياتية ذاتياً، وبالتالي سيولِّد حالة من الفوضى والارتباك، كما أنّ انهيارها يعني انهيار مصدر الشرعية السياسية الفلسطينية.

 مواجهة الإنهيار والفوضى ومآلاته:
 

سيادة الرئيس محمود عباس : على اعتبار أن السلطة مكسب سياسي تجب المحافظة عليه، إلا أن صمت السلطة تجاه ما يحدث، بات يشكِّل حالة انعكاس أزمة، لا بل عدة أزمات خانقة، تعصف بمكوِّناتها على وقع تهديدات وإجراءات الكيان الصهيوني بدفعها للانهيار، وأسلوب مواجهة السلطة للإجراءات والعقبات الإسرائيلية "أظهرَتها وكأنها تتكيَّف معها إيجابياً ولا ترفضها، إذاً لا بد من اتخاذ قرار سياسي يعيد تعريف العلاقة مع هذا الكيان، وأن الاستمرار بهذه الطريقة أصبح غير ممكن وغير مجدي".


في ظل انعدام الرؤى السياسية لسبل المواجهة مع الكيان، ورفضه ونقضه لجميع الإتفاقيات السياسية مع السلطة بما فيها اتفاق اوسلو، فلا بد من وقفة ومراجعات وإعادة حسابات..
إن استمرار تلك الفوضى، وغياب السلطة عن ممارسة أدوارها المطلوبة، والتقوقع داخل المقاطعة، وعدم المقدرة على النفاذ والمواجهة، ودون تحديد أفق واضح لسبل المواجهة، سيكون من مآلاته الحتمية القفز بالشعب الفلسطيني ومقدَّراته وأحلامه بدولة مستقبلية، وحرية وكرامة، إلى آتون الوهم والضياع".

 أدوات ووسائل المواجهة:


لا بد من تحرك عاجل وإيصال رسائل سياسية واضحة للدول العربية والأوروبية الذين دعموا السلطة على مدى 30 عاماً خلت، في حالة تشبه التطعيم من أجل الحياة، على أمل تحقيق حلم الدولة، بأنه بات من غير الممكن للكيان الصهيوني أن يفعل ما يريد ويغرق السلطة، ويشل حركتها..
لكن ما الذي يمكن للسلطة فعله حيال ذلك، وماذا بيدها من أوراق ضغط سياسية؟


في الحقيقة هذا يتطلَّب قراراً جريئاً وواضحاً لا لبس فيه من القيادة الفلسطينية، والقيام بعقد مشاورات، وبدء توافقات وتنسيقات فصائلية، وبدء تحركات دبلوماسية على المستوى العربي والإقليمي والدولي، لا أن يقتصر الأمر على اجتماعات الحكومة، واتخاذ قرارات داخلية مصيرها أدراج المكاتب..
كما ويستوحب ذلك القيام بحركة دوران عكسي، يحوِّل المحنة إلى منحة، باتخاذ قرارات جريئة تربك حسابات الكيان، وتلجم هجماته المسعورة على الأرض ومقدَّرات الشعب والوطن، وتعيد للسلطة مكانتها.

الخاتمـــة:


والآن، وبعد اتخاذ حكومة الكيان الصهيوني قراراً لا لبس فيه ببسط السيادة وضم أراضي الضفة للكيان، والهجمة الإستيطانية الشرسة والمتواصلة على الأراضي والمقدَّسات، وإغلاق مقرات ومؤسسات السلطة، وتهديد البنوك ومنعها من إقراض وتمويل السلطة، ووقف الدعم المالي الدولي، ومصادرة أموال المقاصة، وإرباك وتأخير في صرف الرواتب، واستباحة مناطق نفوذ السلطة واقتحامها المتكرر من قبل جيش الكيان، بل ومنع الرئيس ووفده من دخول أمريكا، أو حتى السفر خارج الوطن إلى الحاضنة العربية، وبتسريب من وزراء في السلطة أن السلطة انتهت نتاج ذلك، فلم يعد هناك من السلطة سِوى اسمها، فماذا بعد؟! 
هل تصبح السلطة مجلس بلدي لدى حكومة الكيان، أم إدارة مدنية؟ 
أم تنتظر اعتراف دولي استراتيجي بدولة على خارطة الوهم؟! 
ألا ترى السلطة أن حراك شعوب العالم لمناصرة غزة هو بدواعي الضمير الإنساني الذي بات يرفض الذُّل والبلطجة والاستكبار الصهيوني؟ ولماذا لا ترى السلطة ذلك؟ أم أن ضميرها غائب في محل جر واستعباد؟!
ثم لماذا لا تلجأ السلطة الفلسطينية إلى الحاضنة الشعبية وتقلب الطاولة، وتعلن المواجهة؟!


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)