خصوصية المفردة القرآنية (٣٤)

د. رعد هادي جبارة يكتب: من عبودية المال إلى عبودية الله

profile
د.رعد هادي جبارة الأمين العام للمجمع القرآني الدولي
  • clock 2 سبتمبر 2025, 12:54:29 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

مدخل وتمهيد:

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ﴾ [العلق: ٧].

وقال عزّ وجلّ: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشورى: ٢٧].

لمال وأهميته في الحياة

المال ركيزة أساسية في حياة الفرد والمجتمع، وبدونه لا تستقيم شؤون المعيشة ولا حركة الاقتصاد، وهو يلعب دورا أساسيا في حياة الدولة وفي الاقتصاد العالمي وحركة التبادل الاقتصادي. وقد اهتم الإسلام بتنظيمه من حيث نمط الكسب والإنفاق، وضبط تأثيره على السلوك الإنساني.

ويرى الاسلام ان المال و الرزق من الله ونعمة يمن بها على عباده بتقدير دقيق

المال بين الطغيان والشكر

قد يكون المال سببًا للطغيان، فيُغري بعض الناس بالتكبر والبخل وقطع الأرحام.فبعض الناس يزداد ماله ويكثر ملكه فيؤثر ذلك على سلوكه الفردي وعلى علاقته بأهله وجيرانه وزملائه وينحو نحو التكبر والاستعلاء والغطرسة ويبدأ في قبض يده عن الانفاق وصلة الأرحام وحتى عن نفقة الوالدين والذرية والأهل.

قال تعالى: ﴿قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا﴾ [الإسراء: ١٠٠].

وفي المقابل قد يكون المال بابًا للشكر حين يستثمره بعضهم في الصدقة والإحسان وخدمة المجتمع،
{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 110]

عوامل الانحراف بالمال

من أهم العوامل التي تدفع المرء إلى الانحراف في التعامل مع المال:

ضعف التربية العائلية.
سوء الظن بالله وقلة الشكر.
الحرص على الاكتناز والاحتكار.
الاستغراق في جمع الأرباح دون اعتبار لحقوق الله والناس.

فينقلب المال على صاحبه ويصبح كالسراب، يطارده ولا يكتفي منه أبدًا وكشارب ماء البحر كلما شرب منه أكثر لا يرتوي ولن يرتوي ويطلب المزيد والمزيد.

المال كفتنة وامتحان

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ [التغابن: ١٥].

ومن أعظم الشواهد القرآنية في هذا الباب آيات سورة الكهف (٣٢–٤٤) التي قصّت قصة صاحبَي الجنتين، وفيها عبرة خالدة لو تدبّر فيها الإنسان مليّاً:

﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا ۝ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا ۝ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ۝ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ۝ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ۝ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ۝ لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا ۝ وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا ۝ فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ۝ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا ۝ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ۝ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا ۝ هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا﴾.

كيف نتجنب الاغترار بالمال؟

الاعتدال في جمع المال:

لا يُنهى الاسلام عن جمع المال، بل عن المغالاة فيه وجعله هدفًا للحياة على حساب الآخرة.

التذكر الدائم للموت والآخرة:

عندما يتذكر المسلم أن الموت آتٍ وأن مصيره إلى الله، فإن المال لا يشغله عن هدفه الأسمى، ويكون سببًا في إنفاقه في سبيل الله.

التصدق بالمال والإنفاق في سبيل الله:

هذه من علامات عدم الاغترار بالمال، حيث يُظهر من يتصدق أنه عبدٌ لله وليس عبدًا للمال.

الخلاصة

عندما يغتر الغني بأمواله ويظن أنها ستدوم له، تكون تلك بداية زوالها. فالقرآن يقرر أن: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ [الكهف: ٤٦].
﴿وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا﴾: [نوح: 24]:

حذار من اتباع من لم يزده الله إلا خسرانًا، حيث أن المال والولد قد يكونان فتنة لمن يغترّ بهما، وقد يؤديان إلى خسارة بدلاً من المنفعة.

قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: «لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيماأفناه، وعن شبابه فيماأبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبّنا أهل البيت». [الخصال للصدوق253]
 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)