خلفيات سياسية وأمنية

نتنياهو يتهم المتظاهرين بتهديد حياته وسط تصاعد الغضب الشعبي في إسرائيل

profile
  • clock 3 سبتمبر 2025, 5:48:27 م
  • eye 424
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
نتنياهو

محمد خميس

في تطور خطير يعكس حجم الأزمة الداخلية التي يعيشها الكيان الإسرائيلي، خرج رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو مساء الثلاثاء بتصريح عاجل اتهم فيه المتظاهرين المناهضين لحكومته بأنهم "يغلقون الطرق ويشعلون الحرائق ويهددون بقتله"، ما يفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة حول مستقبل حكومته والسيناريوهات المحتملة في ظل اتساع رقعة الاحتجاجات.

تصاعد غير مسبوق في الاحتجاجات

منذ أسابيع، تشهد المدن الإسرائيلية الكبرى، وعلى رأسها تل أبيب والقدس المحتلة وحيفا، مظاهرات حاشدة شارك فيها عشرات الآلاف، للمطالبة بوقف الحرب على غزة، والتسريع في إبرام صفقة تبادل أسرى، إضافة إلى الدعوة لاستقالة نتنياهو وتحميله المسؤولية عن الإخفاقات السياسية والعسكرية.
المتظاهرون لجأوا إلى قطع الطرق الرئيسية، وإشعال الإطارات، والتجمهر قرب منزل نتنياهو، وهو ما اعتبره الأخير تهديدًا مباشرًا لحياته ومحاولة "إسقاط الحكومة عبر الفوضى".

خلفيات سياسية وأمنية

تأتي هذه الاحتجاجات في وقت تواجه فيه حكومة الاحتلال أزمات متشابكة؛ فمن جهة هناك حرب مدمرة على غزة مستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أسفرت عن استشهاد أكثر من 225 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح وفق وزارة الصحة في القطاع، إلى جانب دمار واسع النطاق وتهجير جماعي، ومن جهة أخرى يتعرض نتنياهو لضغوط داخلية غير مسبوقة من عائلات الجنود الأسرى التي تتهمه بتعطيل المفاوضات.

ويؤكد مراقبون أن خطاب نتنياهو الأخير يهدف إلى شيطنة الحراك الشعبي وتصويره كتهديد أمني، في محاولة لكسب تعاطف قاعدته السياسية اليمينية، وإيجاد مبرر لاستخدام أدوات قمعية أوسع ضد المتظاهرين.

معارضة تتصاعد

قادة المعارضة الإسرائيلية وصفوا تصريحات نتنياهو بأنها "هروب إلى الأمام"، مشيرين إلى أن الاحتجاجات تمثل صرخة شعبية ضد سياسات فاشلة أوصلت البلاد إلى حافة الانهيار.
وفي هذا السياق، قال زعيم المعارضة يائير لابيد إن "نتنياهو يحاول تحويل الأنظار عن مسؤوليته المباشرة عن أسوأ كارثة أمنية وسياسية في تاريخ إسرائيل"، مؤكداً أن الحل الوحيد هو "رحيله وإجراء انتخابات مبكرة تعيد الثقة للمجتمع".

أزمة داخلية تهدد بتفكك الحكومة

الأزمة لا تقتصر على الشارع، بل تمتد إلى داخل الحكومة نفسها، حيث تتصاعد الخلافات بين أركان الائتلاف اليميني المتطرف، خصوصاً مع وزيري المالية بتسلئيل سموتريتش والأمن القومي إيتمار بن غفير، اللذين يطالبان بتصعيد أكبر في غزة ورفض أي تنازلات في المفاوضات مع المقاومة الفلسطينية.
هذا الانقسام يضع حكومة نتنياهو على حافة الانهيار، وسط توقعات بأن أي هزيمة عسكرية أو أزمة اقتصادية قد تؤدي إلى سقوطها.

البعد الأمني للاحتجاجات

من الناحية الأمنية، تنظر المؤسسة العسكرية والشرطية بخطورة إلى اتساع رقعة المظاهرات ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تم تسجيل محاولات لاقتحام حواجز أمنية قريبة من مقر إقامة نتنياهو.
وقد دفع هذا الأمر الشرطة إلى استخدام القوة المفرطة، بما في ذلك قنابل الصوت وخراطيم المياه، لتفريق المتظاهرين، وسط تقارير عن إصابات واعتقالات بالعشرات.

السيناريوهات المتوقعة

المحللون يتحدثون عن عدة سيناريوهات محتملة للتعامل مع هذه الأزمة:

تصعيد أمني أكبر: قد تلجأ الحكومة إلى فرض قيود مشددة على التظاهر واعتقال قادة الحراك بحجة حماية الأمن القومي.

تنازلات سياسية: تحت ضغط الشارع والأسرة الدولية، قد يضطر نتنياهو إلى قبول شروط في مفاوضات صفقة التبادل أو حتى طرح انتخابات مبكرة.

انفجار داخلي: استمرار القمع مع تزايد الغضب قد يقود إلى صدام واسع يضع إسرائيل أمام أزمة داخلية خانقة تهدد استقرارها.

البعد الدولي للأزمة

تصريحات نتنياهو عن تهديد المتظاهرين له تأتي أيضًا في ظل ضغوط دولية متزايدة على حكومته، حيث تتصاعد الدعوات من الأمم المتحدة ودول أوروبية لوقف الحرب على غزة ورفع الحصار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية.
وقد حذرت عدة عواصم أوروبية من أن استمرار القمع الداخلي والتصعيد الخارجي قد يدفع إسرائيل إلى عزلة غير مسبوقة.

الإعلام الإسرائيلي بين النقد والتبرير

وسائل الإعلام العبرية انقسمت في تغطيتها؛ فبينما حاولت بعض الصحف المقربة من الحكومة تبرير تصريحات نتنياهو وتقديمها كتحذير أمني مشروع، لم تتردد صحف أخرى مثل "هآرتس" و"يديعوت أحرونوت" في تحميله المسؤولية عن تدهور الوضع الداخلي والخارجي.
وأشارت مقالات رأي إلى أن إسرائيل تعيش "أزمة قيادة" حقيقية، حيث لم يعد نتنياهو قادراً على إدارة المعركة في غزة ولا على تهدئة الشارع الإسرائيلي.

أزمة ثقة عميقة

الاحتجاجات المتصاعدة، واتهامات نتنياهو للمتظاهرين بتهديد حياته، تعكس في جوهرها أزمة ثقة عميقة بين القيادة السياسية والمجتمع الإسرائيلي. فبينما يتحدث نتنياهو عن مؤامرات لإسقاطه، يرى المحتجون أن سياساته قادت إلى عزلة سياسية، وانهيار اقتصادي، وفشل عسكري، ما يجعل بقاءه في الحكم خطراً على مستقبل الدولة العبرية.

تصريحات نتنياهو بأن المتظاهرين "يهددون بقتله" تمثل ذروة التوتر السياسي والاجتماعي في إسرائيل، وتجسد حجم الشرخ الداخلي الذي يزداد اتساعًا يوماً بعد يوم. وبينما يحاول رئيس الوزراء استغلال الموقف لصالحه عبر خطاب التخويف، فإن الشارع الإسرائيلي يبدو أكثر إصراراً على المضي قدماً في احتجاجاته حتى تحقيق مطالبه.
وفي ظل غياب حلول سياسية واقتصادية حقيقية، تبدو إسرائيل مقبلة على مرحلة غير مسبوقة من الاضطرابات الداخلية التي قد تغيّر شكل حكومتها ومسارها السياسي في المرحلة المقبلة.

التعليقات (0)