حصيلة الضحايا جراء المجاعة وسوء التغذية

تفشي أمراض نادرة وتدهور الأوضاع الصحية في قطاع غزة وسط استمرار الحرب والحصار

profile
  • clock 3 سبتمبر 2025, 6:32:17 م
  • eye 418
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تعبيرية

محمد خميس

يشهد قطاع غزة منذ أشهر كارثة إنسانية غير مسبوقة، إذ لا يقتصر العدوان الإسرائيلي المستمر على استهداف المدنيين وتدمير البنية التحتية، بل يمتد إلى قطاع الصحة الذي يعاني انهيارًا شاملاً، ما أدى إلى تفشي أمراض نادرة لم تكن شائعة في السابق.

ففي ظل استمرار الحرب منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وما تبعها من حصار خانق ومنع إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية، بدأت تظهر مؤشرات خطيرة على تفاقم الوضع الصحي.

ظهور متلازمة "غيلان باريه" بشكل غير مسبوق

أكدت مصادر طبية في غزة أن متلازمة غيلان باريه، المعروفة أيضًا بـ"الشلل الرخو"، سجلت حضورًا متزايدًا منذ حزيران/يونيو الماضي، إذ تم توثيق 94 حالة إصابة، توفي منها 10 مرضى.
ويُعتبر هذا المرض من الاضطرابات المناعية النادرة التي تهاجم الأعصاب الطرفية، وتؤدي إلى شلل تصاعدي قد يصل في مراحله الحادة إلى الجهاز التنفسي، وهو ما يشكل خطرًا بالغًا على حياة المصابين في ظل غياب أجهزة التنفس الاصطناعي ونقص الرعاية المكثفة.

تفاقم حالات سوء التغذية ومرض "كواشيوركور"

الأزمة لا تقتصر على الأمراض العصبية، بل تمتد إلى سوء التغذية الحاد بين الأطفال. فقد رصدت الفحوصات الطبية تزايدًا في حالات الإصابة بمرض كواشيوركور، وهو شكل قاتل من سوء التغذية ناجم عن نقص البروتين والطاقة.
ويظهر هذا المرض في صورة انتفاخ البطن والأطراف، رغم النحافة الشديدة للجسم، وهو مؤشر خطير على انعدام الأمن الغذائي في القطاع.

منظمات الصحة الدولية طالبت مرارًا بضرورة إدخال المساعدات الغذائية العاجلة، لكن الاحتلال يواصل تشديد الحصار ومنع وصول المساعدات، ما يزيد من معاناة الأطفال والنساء وكبار السن.

انتشار الأمراض الجلدية المعدية

إلى جانب ذلك، تشهد غزة تفشيًا واسعًا للأمراض الجلدية المعدية مثل الجرب والقوباء. هذه الأمراض تنتشر بسرعة في ظل ظروف الاكتظاظ السكاني داخل مراكز الإيواء، حيث يفتقر السكان إلى المياه النظيفة ووسائل النظافة الشخصية.
ويحذر الأطباء من أن هذه الأمراض قد تتحول إلى أوبئة يصعب السيطرة عليها في حال استمرار الوضع الراهن، خصوصًا مع نقص الأدوية المضادة والكوادر الطبية.

انهيار البنية التحتية الصحية

السبب الأساسي وراء هذا التدهور الصحي هو انهيار شبه كامل في النظام الطبي. المستشفيات تعمل بأقل من نصف طاقتها بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيل المولدات، إضافة إلى تعطّل مراكز الرعاية الأولية.
كما تعاني مخازن الأدوية من نفاد آلاف الأصناف الأساسية، من بينها المضادات الحيوية وأدوية الأمراض المزمنة، ما يضع حياة مئات الآلاف من المرضى على المحك.

حصيلة الضحايا جراء المجاعة وسوء التغذية

في تقرير صدر اليوم الأربعاء، أعلنت وزارة الصحة في غزة تسجيل 6 وفيات جديدة، بينها طفل، بسبب المجاعة وسوء التغذية خلال الـ24 ساعة الماضية.
وبذلك، يرتفع إجمالي ضحايا المجاعة إلى 367 شهيدًا، من بينهم 131 طفلاً، منذ بداية التصنيف الرسمي للمجاعة في القطاع بتاريخ 22 من الشهر الماضي.

وتشير الوزارة إلى أن الأرقام في ارتفاع مستمر، حيث تم تسجيل 89 وفاة إضافية مرتبطة بسوء التغذية في أقل من شهر، وهو ما يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي تعصف بالقطاع.

التحذيرات الأممية والدولية

الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية حذرتا في تقارير سابقة من أن غزة على شفا مجاعة وأوبئة جماعية، وأن استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات سيؤدي إلى انهيار كامل للنظام الصحي، بما يجعل السيطرة على الأمراض الناشئة أمرًا مستحيلاً.
ورغم ذلك، لم ينجح الضغط الدولي حتى الآن في إجبار الاحتلال على فتح المعابر، بينما تواصل الولايات المتحدة وعدة دول غربية تقديم دعم مباشر للعدوان.

الحرب المستمرة وأرقام الضحايا

منذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، يشن جيش الاحتلال حرب إبادة مدمرة على القطاع، أسفرت حتى اليوم عن استشهاد وإصابة نحو 225 ألف فلسطيني، بحسب وزارة الصحة في غزة.
ويؤكد مختصون أن استمرار هذه الأوضاع يهدد بانتشار أوسع للأمراض، وانهيار ما تبقى من الخدمات الصحية، ما يجعل الوضع مرشحًا لمزيد من التدهور خلال الأسابيع المقبلة.

الوضع الصحي في غزة لم يعد مجرد أزمة إنسانية عابرة، بل تحول إلى كارثة مركبة تشمل تفشي أمراض نادرة مثل متلازمة "غيلان باريه"، وانتشار سوء التغذية الحاد وأمراض الطفولة القاتلة، إلى جانب انتشار الأمراض المعدية في بيئة مكتظة ومحرومة من أبسط مقومات الحياة.

هذا الواقع يعكس أن الحصار والعدوان الإسرائيلي لا يستهدفان فقط حياة الفلسطينيين بشكل مباشر، بل يعملان أيضًا على تدمير قدرتهم على الصمود عبر إضعاف صحتهم وتجويعهم.
المجتمع الدولي مطالب اليوم بأكثر من بيانات الشجب والإدانة، إذ إن إنقاذ أرواح ملايين المدنيين في غزة يتطلب تحركًا عاجلًا وحقيقيًا لوقف الحرب ورفع الحصار وتقديم الدعم الصحي والغذائي للقطاع.

التعليقات (0)