-
℃ 11 تركيا
-
3 أغسطس 2025
د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: أضحى غزة.. ينتظر فداء إسماعيل
د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: أضحى غزة.. ينتظر فداء إسماعيل
-
10 يونيو 2025, 11:28:06 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مضى عيد الأضحى، كانت غزة تنتظر كما ينتظر الفقير وعد اللقمة، وكما انتظر إسماعيل فداءه. لا تكبيرات تعلو فوق أصوات الطائرات، ولا أضاحي سوى ما تبقى من أجساد الأطفال الممزقة تحت الركام. لا طِيب للمكان، ولا بهجة في الزمان، فقط مجازر تُعاد كل صباح، وسكاكين تُرفع لا قربانًا، بل قتلًا.
يمر العيد على غزة بثقل لا يُحتمل، كأن كل يومٍ فيها يذبح الفرح كما كاد يُذبح إسماعيل، ولكن دون أن ينزل الفداء، ودون أن يسمع العالم نداء الملك: ﴿وفديناه بذبح عظيم﴾. أي ذبح أعظم من أن يُساق شعبٌ بأكمله إلى النار، في صمتٍ دوليٍّ مطبق؟
أطفال غزة لم يعرفوا معنى العيد منذ زمن، لكن هذا العيد جاء أكثر حزنًا من كل ما سبق. بلا ملابس جديدة، بلا كعك، بلا ضحكة، بلا أراجيح. جل ما لديهم الآن ذكريات تُرمم في الخيال، وخيام مهترئة تُحاول ستر أوجاع النازحين. حتى الأماني باتت تخجل من أن تُقال.
610 يوم من الإبادة، أكثر من 179 ألف شهيد وجريح، وآلاف المفقودين تحت الأنقاض. لو كانت الحجارة تتكلم لبكت، ولو كانت السماء تنطق لصعقت، ولكن كل شيء صامت، إلا دماء الضحايا، فهي وحدها تصرخ في وجه هذا العالم: أين فداء إسماعيل؟
الأضحية هنا ليست شاة، بل عائلة كاملة تُباد، وحيّ يُسوى بالأرض، ومدينة تُحاصر حتى الماء يُمنع عنها. لا خروف يُقدَّم تقرّبًا، بل رُضَّع تمزقهم الشظايا، وتُنقل صورهم في نشرات الأخبار كأنهم أرقام لا أرواح.
في غزة، لا معايدات ولا تقاليد، فقط مشهد واحد يتكرر: أمٌّ تبكي، وأبٌ يبحث بين الركام، وطفل يسأل عن معنى العيد ولا يجد جوابًا. لا كبش يُفدى به هذا الشعب، ولا سكين تُرفع للرحمة، بل للبطش والقتل والدمار.
ومع ذلك، فإن غزة ما زالت تقاوم. تقف على قدمها المبتورة، تنفض الغبار عن وجهها، وتُربت على أكتاف أطفالها قائلة: "سيأتي الفداء، وإن تأخر، سيأتي". وكأنها تقول للعالم: "كما أنزل الله كبشًا لفداء إسماعيل، فإن الحرية لفلسطين ستنزل، ولو بعد حين".
غزة تنتظر فداءها، تنتظر كبشًا يُوقف هذا الذبح المستمر، تنتظر هتاف السماء بالفداء، ليرفع الصوت بالحق. تنتظر أن تستيقظ ضمائر من يزعمون أنهم أصحاب الديانة الإبراهيمية، وأنى لهد ذلك فقد سقطوا في اختبار الأخلاق والإنسانية.









