-
℃ 11 تركيا
-
18 يونيو 2025
عمر محمد العرب يكتب: نحو أفق مشتعل.. الحرب بين العدو الصهيوني والجمهوريات الإيرانية ودلالات الاصطفاف الإقليمي والدولي
عمر محمد العرب يكتب: نحو أفق مشتعل.. الحرب بين العدو الصهيوني والجمهوريات الإيرانية ودلالات الاصطفاف الإقليمي والدولي
-
17 يونيو 2025, 9:15:17 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عمر محمد العرب يكتب: نحو أفق مشتعل.. الحرب بين العدو الصهيوني والجمهوريات الإيرانية ودلالات الاصطفاف الإقليمي والدولي
مضت 4 أيام ثقيلة على اندلاع الحرب بين الكيان الصهيوني والجمهوريات الإيرانية، ومع دخولنا في اليوم الخامس، يتّضح أن هذه المواجهة لن تكون كسابقاتها. إنها ليست حرب ردود تقليدية، بل لحظة مفصلية في صراع تاريخي تحاول فيه الأطراف المتنازعة إعادة ترسيم موازين القوى في الشرق الأوسط على نار مفتوحة.
إنها حرب كاشفة وفاصلة؛ تكشف الأعماق الخفية للمواقف الإقليمية والدولية، وتفصل بين من يملك قراره الاستراتيجي ومن يُدار بمنطق التبعية والتردد. وبين ضجيج النار والدخان، تتحرك التحليلات لتقرأ ما بين السطور، وتستشرف ما هو قادم.
أولاً: من اشتباك محدود إلى مواجهة شاملة
ما جرى لم يكن مجرد تصعيد موضعي. منذ اللحظات الأولى، بدا واضحًا أن طرفي النزاع دخلا مرحلة جديدة، لم تعد فيها الحسابات مقيدة بقواعد الاشتباك القديمة. التوسّع في رقعة الجبهات، وتنوّع أدوات الضرب، يشير إلى قرار محسوم بتغيير قواعد اللعبة. لم تعد المعادلة تقوم على الضربة والردّ، بل على التراكم الميداني المدروس، واستنزاف الخصم على مراحل متتابعة.
من جهة العدو الصهيوني، يتبدّى الإرباك في الخطاب السياسي والإعلامي، وفي التخبّط العسكري الذي لم ينجح حتى الآن في السيطرة على المشهد. أمّا على الجبهة المقابلة، فتظهر إشارات الانضباط والاتزان، وكأن الخطط مرسومة بدقة تتجاوز الانفعال اللحظي.
ثانياً: الكيان الصهيوني… في مواجهة حدود الردع
لطالما اعتمد الكيان الصهيوني على تفوقه العسكري وسرعة حسمه للمواجهات لإثبات قوته وردع خصومه. لكنه اليوم يواجه واقعًا مغايرًا: جبهات مشتعلة، استنزاف اقتصادي، انهيار في صورة "الجيش الذي لا يُقهر"، وانقسام داخلي سياسي وشعبي يُضعف القرار ويُهز ثقة الحلفاء.
فجأة، لم تعد قبته الحديدية قادرة على صدّ الضربات، ولم تعد مدنه تنام آمنة. في هذه المعركة، يُختبر عمق الدولة العبرية، لا فقط سطحها العسكري. فالمعركة هذه المرة تطال العمق الجغرافي والنفسي معًا.
ثالثاً: الولايات المتحدة… دعم مشروط وتردد استراتيجي
واشنطن، الراعي الأبرز للكيان الصهيوني، هرعت سريعًا لإظهار الدعم العلني من خلال التصريحات وشحنات العتاد. لكن خلف ذلك، تبرز علامات تردد استراتيجي في كيفية إدارة التصعيد. فالإدارة الأمريكية، المنهمكة بصراعات انتخابية داخلية وبانكماش الدور الدولي، لا ترغب في انزلاق مباشر نحو مواجهة شاملة، خصوصًا إذا كانت غير مضمونة النتائج.
ومن هنا، تمضي واشنطن بسياسة مزدوجة: دعم غير محدود على مستوى الإمداد والشرعية، وتريث واضح في الدخول الميداني، بانتظار ما ستُسفر عنه الأيام.
رابعاً: الخليج العربي… بين الضرورة والحرج
تقف دول الخليج العربي أمام مفترق صعب. فمن جهة، لا يمكن تجاهل واقع التطبيع الذي فتح أبوابه مع الكيان الصهيوني في السنوات الأخيرة، وما يعنيه ذلك من التزامات دبلوماسية واقتصادية. ومن جهة أخرى، تفرض الجغرافيا والمصالح العميقة عدم القفز فوق حقيقة أن شعوب المنطقة، والمشهد العربي العام، تميل إلى رفض الكيان والاصطفاف ضد عدوانه.
وعليه، تمارس دول الخليج سياسة توازن دقيقة. السعودية تُقدّم خطابًا متماسكًا يجنح إلى التهدئة واحتواء التصعيد، مع الحفاظ على خطوط مفتوحة مع مختلف العواصم. الإمارات تستثمر في مساحات الوساطة والتأثير عبر قنواتها الدولية. قطر وسلطنة عمان تحافظان على مواقف متوازنة تُجنّب المنطقة الانجرار إلى مزيد من التوتر.
خامساً: روسيا وتركيا… ثقل الحسابات وتعقيد التموضع
في موسكو، تُقرأ الحرب كفرصة لإعادة التذكير بمكانة روسيا كقوة مؤثرة في قضايا الشرق الأوسط، خصوصًا مع تراجع الحضور الأمريكي في بعض الساحات. لكنها تدرك أن التورط المباشر قد يضعها في مواجهة مع تحالفات معقدة في سوريا وفي غيرها، فتُبقي على تواصل دبلوماسي نشط دون أن تُلقي بثقلها الكامل في المعركة.
أما أنقرة، فتتبنى خطابًا موزونًا ومتحركًا ضمن رؤية استراتيجية تراعي التوازنات الدقيقة. فهي تحافظ على علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الكيان الصهيوني ضمن إطار مصالحها الوطنية، دون أن تُفرّط في علاقاتها العميقة مع الجمهوريات الإيرانية أو دول الخليج العربي. تركيا اليوم تحاول ترسيخ دورها كلاعب إقليمي مستقل ومؤثر، دون أن تنجر إلى صدام مباشر يُقيد خياراتها.
سادساً: مواقف المنطقة… ما بين الصوت الخافت والحراك الشعبي
المشهد العربي العام لا يزال مشتّتًا، لكن اللافت هو أن الشارع العربي – رغم غيابه عن التأثير السياسي المباشر – بدأ يستعيد بعضًا من زخمه. التظاهرات والبيانات الشعبية، من شمال أفريقيا إلى المشرق العربي، تُعبّر عن رفض واسع للعدوان وتدعو لردّ عربي موحّد، ولو على مستوى المقاطعة أو الضغط السياسي.
في المقابل، تحافظ معظم الحكومات على خطاب حذر، يتجنب التصعيد، لكنه لا يُخفي القلق من أن تؤدي هذه الحرب إلى إشعال ساحات أخرى أكثر هشاشة، كلبنان أو العراق أو سوريا.
سابعاً: سيناريوهات مفتوحة… إلى أين تتجه المواجهة؟
السيناريو الأول: تهدئة مشروطة
قد تفضي الضغوط الدولية والوساطات إلى تهدئة غير مُعلنة، تتضمّن وقفًا تدريجيًا لإطلاق النار، مع تفاهمات غير رسمية على ضبط الجبهات، بما يسمح لكل طرف بادّعاء تحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية.
السيناريو الثاني: حرب استنزاف
أن تستمر المواجهة بأسلوب مرن، يتصاعد حينًا ويهدأ حينًا آخر، دون الوصول إلى انفجار شامل، ما يعني استنزافًا تدريجيًا لمقدّرات الطرفين، وخلخلة عميقة في ثقة الكيان الصهيوني بنجاعة ردعه التقليدي.
السيناريو الثالث: توسع الصراع
وهو الأخطر، إذا خرجت الأمور عن السيطرة وامتدّت المواجهة إلى جبهات جديدة، بما قد يُدخل لاعبين إقليميين كبار في المعركة بشكل مباشر أو غير مباشر، ويُعيد تشكيل ملامح النظام الأمني والسياسي في الشرق الأوسط برمّته.
خاتمة: لحظة الشرق الأوسط الحرجة
لسنا أمام حرب عادية، بل أمام لحظة شرق أوسطية نادرة، يتكثّف فيها التاريخ، ويتغيّر فيها المسار. الكيان الصهيوني، ولأول مرة منذ عقود، يُواجَه بندّ استراتيجي يملك قراره، ويُحسن توقيته، ويُراكم قدراته. والجمهوريات الإيرانية تثبت أنها لم تعد في موقع الدفاع، بل في موقع المبادرة المحسوبة.
بين صمت العالم، وارتباك العواصم، تنهض هذه الحرب بوصفها عنوانًا جديدًا لمرحلة ما بعد الهيمنة الأحادية، وما بعد الردع المطلق. والأيام القادمة ستكشف إن كنا على عتبة خريطة جديدة للشرق الأوسط، أم أمام فاصل دموي سرعان ما يُطوى… لكنّه لا يُنسى.










