-
℃ 11 تركيا
-
15 يونيو 2025
عمر محمد العرب يكتب:ما بعد ضربات طهران وتحوّلات الردع والتفاوض
الشرق الأوسط على شفير الهاوية
عمر محمد العرب يكتب:ما بعد ضربات طهران وتحوّلات الردع والتفاوض
-
15 يونيو 2025, 10:31:07 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في الثالث عشر من حزيران 2025، اهتزّت منطقة الشرق الأوسط على وقع عدوانٍ عسكريّ صهيوني استهدف مواقع بالغة الحساسية داخل العاصمة الإيرانية طهران. وقد مثّل هذا التطوّر تصعيدًا خطيرًا في سياق صراع طويل الأمد بين الجمهورية الإسلامية والكيان الإسرائيلي، الذي لم يكن يومًا كيانًا طبيعيًا في جسد المنطقة، بل وُجد غصبًا، وفرض نفسه بالقوة والدم، منذ أن زُرع كأداة استعمارية في قلب فلسطين عام 1948.
الكيان الغاصب... لا "إسرائيل"
لا بد، في كل تحليل سياسي يحترم الوقائع التاريخية، من إسقاط صفة "الدولة" عن هذا الكيان. فإسرائيل، بوصفها اللفظي والسياسي، ليست إلا احتلالًا مقنّعًا، ونتاجًا لمشروع اقتلاعي عنصريّ، سلب الأرض، وهجّر شعبًا، وبنى كيانًا على أنقاض وطن بأكمله. من هنا، فإن توصيفه كـ"كيان غاصب" ليس موقفًا انفعاليًا، بل توصيف علمي دقيق لحقيقته القانونية والتاريخية.
فالكيان الذي شنّ عدوانه الأخير على طهران، هو نفسه الذي اجتاح بيروت في 1982، وقصف دمشق، ودمّر غزة، واحتل الضفة، واغتال العلماء، وأحرق الزيتون، وبنى فوق الخراب "دولة" بلا شرعية أخلاقية أو سياسية.
طهران تحت القصف: رسائل النار وحدود الرد
الهجوم الإسرائيلي الأخير، الذي طال منشآت عسكرية وأمنية في طهران، كان الأخطر منذ سنوات. تزامن مع ارتفاع التوتر في الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، ومع دخول مفاوضات الملف النووي الإيراني مرحلة جمود. وقد حاول الكيان الصهيوني، من خلال هذه الضربة، تحقيق أهداف ثلاث:
1. تقويض القدرات الدفاعية الإيرانية من الداخل.
2. إحراج القيادة الإيرانية دوليًا وتحجيم نفوذها الإقليمي.
3. فرض معادلة ردع جديدة تتيح له هامش تحرك أوسع في المنطقة.
لكن الرد الإيراني الذي أعقب العدوان كان حاسمًا، إذ أعلنت طهران استهداف مواقع عسكرية دقيقة داخل الأراضي المحتلة عبر مسيّرات وصواريخ دقيقة، مؤكدة أن زمن الصمت قد انتهى.
إيران تنسحب من الطاولة: لا مفاوضات بعد اليوم
في موقف غير مسبوق، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية، صبيحة يوم الأحد، ومن سلطنة عُمان تحديدًا، أن "لا مفاوضات بعد اليوم" مع الإدارة الأميركية. وقد وصف البيان الرسمي ما حدث في طهران بأنه "اعتداء سافر يؤكد زيف الوساطات الدولية"، معتبرًا أن "الرهان على الحلول الدبلوماسية سقط نهائيًا".
هذا التحوّل لا يُعد تصعيدًا انفعاليًا، بل هو انعكاس لخيبة أمل استراتيجية تعتري طهران، بعد سنوات من محاولات إعادة التوازن في علاقاتها مع واشنطن عبر طاولة التفاوض، وسط وعود لم تترجم، وضغوط اقتصادية خانقة، واغتيالات متكررة استهدفت قادتها وعلماءها.
أميركا بين النارين: دعم الكيان وتفادي الحرب الشاملة
من جهة، تواصل الولايات المتحدة دعمها غير المشروط للكيان الصهيوني، سياسيًا وعسكريًا واستخباراتيًا، وقد أكّدت مصادر مقرّبة من البنتاغون أن واشنطن كانت "على علم" بالضربة قبل تنفيذها. ومن جهة أخرى، تبدو واشنطن حريصة على تفادي اندلاع حرب شاملة قد تؤدي إلى انفجار إقليمي يتجاوز الحسابات التكتيكية.
هذا التناقض في الموقف الأميركي يعكس عمق مأزق واشنطن في الشرق الأوسط، فهي عاجزة عن ضبط حليفتها الصهيونية، وعاجزة في الوقت نفسه عن إعادة إحياء مسار تفاوضي باتت إيران تراه عبثيًا.
التفاوض كأداة ضغط... لا كخيار سلام
كان واضحًا، منذ سنوات، أن مفاوضات إيران وأميركا لم تكن تهدف إلى حل دائم، بل إلى إدارة الصراع تحت سقف معين من الضغوط والعقوبات. وقد اعتمدت إيران على سياسة "الصبر الاستراتيجي" مقابل سياسة "الخنق المرحلي" التي انتهجتها واشنطن. لكن الضربة الأخيرة غيّرت قواعد اللعبة.
فالتفاوض، من وجهة نظر طهران، لم يعد أداة تفاهم، بل أصبح فخًا سياسيًا مكشوفًا، يستخدمه الغرب لكسب الوقت، وتحجيم القدرات الإيرانية، دون أي ضمانات حقيقية. ولهذا أعلنت الانسحاب من المسار، ورفعت سقف الردود.
دول الوساطة: نجاح جزئي وفشل استراتيجي
لا يمكن إنكار الجهود الحثيثة التي بذلتها كل من قطر، سلطنة عُمان، وتركيا في الأيام الأخيرة. فهذه الدول حاولت التوسط لنزع فتيل التصعيد، لكنها اصطدمت بجدار جديد: عدم ثقة طهران بجدوى التهدئة في ظل العدوان المستمر، ورفض الكيان التزامات أمنية واضحة.
فقد أدركت طهران أن الوساطات، مهما كانت نواياها حسنة، تبقى محدودة التأثير إذا لم تتوافر إرادة دولية صارمة لكبح جماح الكيان الصهيوني، الذي يتصرّف باعتباره خارجًا عن القانون الدولي، ومدعومًا من مظلة غربية غير متوازنة.
خاتمة: لا سلام مع كيان زُرع بالنار
إن ما جرى في الثالث عشر من حزيران هو مؤشر جديد على أن الصراع في المنطقة ليس خلافًا عابرًا، بل هو صدام بين مشروعين متناقضين: مشروع هيمنة صهيونية توسعية، ومشروع مقاومة يروم التحرر والاستقلال والسيادة.
لا يمكن التأسيس لأي حلّ واقعي ما دامت العقلية الدولية تتعامل مع الكيان الصهيوني كـ"دولة شرعية" وهو، في الحقيقة والواقع، كيان مغتصب، لا يحترم القانون ولا يعترف بالآخر.
الردع الحقيقي لا يكون بالبيانات، بل بإعادة توازن القوة والقرار، وتثبيت الحقوق، ومواجهة الاحتلال حيثما كان. وإن كانت إيران قد انسحبت من المفاوضات، فذلك ليس هروبًا، بل عودة إلى المبادئ بعد أن انكشف المستور.
وفي هذه اللحظة المفصلية، يبقى السؤال: إلى متى يستمر العالم في التفرج على سرطان جغرافي يُدعى "إسرائيل"، ينمو في قلب الأمة، ويعيش على حساب جراحها؟







