تداعيات الحرب بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والعدو الصهيوني

عمر محمد العرب يكتب: الانعكاسات الإقليمية وأدوار المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا

profile
عمر العرب المحلل السياسي
  • clock 16 يونيو 2025, 12:30:11 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في خضمّ التصعيد المتسارع الذي يهزّ منطقة الشرق الأوسط، تتكشّف يوماً بعد يوم أبعاد الحرب المفتوحة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والعدو الصهيوني الغاشم، حيث لم يعد الصراع محصوراً في الجغرافيا التقليدية، بل تمددت تداعياته لتطال عمق الإقليم الخليجي ودوائر النفوذ الإقليمي والدولي. إنها مواجهةٌ حاسمة تتجاوز الأطر العسكرية لتلامس موازين النفوذ الإقليمي وترسم ملامح مرحلة جديدة في معادلة القوة بالمنطقة.

أولاً: الحرب الإيرانية–الصهيونية... أفق صراع لا ينتهي

لم تنفجر الحرب بين طهران وتل أبيب عبثاً، بل جاءت تتويجاً لمسار طويل من العداء العقائدي والاستراتيجي، بدأ منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، واشتدّ مع تمدد نفوذ طهران في المشرق العربي. تقف إيران اليوم كقوة عقائدية عابرة للحدود، داعمة لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، ومناهِضة لمشاريع التطبيع والاستسلام.

في المقابل، يرى الكيان الصهيوني أن أمنه الوجودي مهدَّد ما دامت إيران قادرة على مدّ "هلال المقاومة" بسلاح ودعم وتخطيط. وعلى هذا الأساس، تستعر المواجهة، وتشتعل جبهات تمتد من الجولان إلى الجنوب اللبناني، ومن مضيق هرمز إلى أعماق الفضاء السيبراني.

ثانياً: الخليج بين نار الحرب وسندان الحذر

تجد دول الخليج العربي نفسها أمام امتحان بالغ التعقيد. فاندلاع مواجهة مباشرة بين إيران والعدو الصهيوني يضعها أمام خيارات مصيرية: الحياد، بما يحمله من مخاطر استراتيجية، أو الانخراط، بما ينطوي عليه من كلفة أمنية واقتصادية باهظة.

المملكة العربية السعودية: حكمة التوازن وصوت الاستقرار

تحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تعتمد المملكة العربية السعودية مقاربة استراتيجية تتسم بالحذر والانفتاح معاً. فهي تدرك خطورة الانزلاق في أي مواجهة مباشرة، لكنها ترفض أيضاً أن تُهدَّد مصالحها الحيوية أو يُمسّ أمنها الإقليمي.

تشير المعطيات إلى تنشيط الدبلوماسية السعودية على أكثر من محور: من جهة، تكثيف التنسيق مع القوى الكبرى لمنع امتداد المواجهة إلى الخليج؛ ومن جهة أخرى، تعزيز الجهوزية الدفاعية وحماية المنشآت الحيوية. وفي خلفية كل ذلك، يبرز ثقل سعودي سياسي يحاول دفع الأمور نحو تسوية تحفظ أمن الخليج وتمنع سقوط المنطقة في هوة الفوضى.

قطر: الوسيط الدبلوماسي في زمن الأزمات

أما دولة قطر، فتواصل أداء دورها المعروف كوسيط إقليمي فاعل، معتمدة على شبكة علاقاتها المعقّدة مع كل من إيران، والولايات المتحدة، وتركيا، وحتى الكيان الصهيوني. تنشط الدوحة في الكواليس لإطلاق مبادرات لوقف التصعيد، خاصة على الساحة السورية، وتسعى لتجنيب لبنان والعراق الانجرار إلى انفجار شامل.

تستفيد قطر من أدواتها التقليدية: النفوذ الإعلامي، الدبلوماسية الهادئة، والمقدرة الاقتصادية، لتثبت أنها لاعب إقليمي مستقل قادر على ضبط التوتر وتسهيل الحوار في أشدّ اللحظات احتداماً.

ثالثاً: تركيا... محور إقليمي في لحظة تحوّل

تتخذ الجمهورية التركية، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، موقفاً يوازن بين المبدأ والمصلحة. فبينما تؤيد أنقرة علناً الموقف المعادي للعدو الصهيوني، وتؤكد دعمها للقضية الفلسطينية، فإنها تحرص في الوقت ذاته على ألا تُزجّ في معركة قد تضرّ بمصالحها الحيوية، خصوصاً في سوريا والعراق.

توظف تركيا موقعها الجيوسياسي ودورها المحوري في الناتو لتلعب دوراً مزدوجاً: تُدين العدوان الصهيوني وتدعو إلى وقف الحرب، لكنها تراقب بحذر حدود التصعيد وتحاول الاستفادة منه لتثبيت نفوذها كقوة إقليمية لا غنى عنها في أي تسوية مقبلة.

رابعاً: التداعيات الاقتصادية والأمنية

إنّ الحرب الجارية تترك آثاراً ملموسة على دول الخليج، أبرزها:

أسواق الطاقة: يشهد النفط والغاز ارتفاعات قياسية، ما يدرّ عوائد مالية ضخمة على الدول المنتجة، لكنه يهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي ويزيد من ضغوط التضخم.

أمن الملاحة: تصاعد التهديد في مضيق هرمز يضع أمن الممرات البحرية في دائرة الخطر، ما يستدعي تكثيف الحضور العسكري الدولي في الخليج.

الهجمات السيبرانية: تتعرض المنشآت الحيوية، بما فيها محطات الطاقة والمياه، لهجمات إلكترونية متزايدة، ما يدفع دول الخليج إلى الاستثمار بكثافة في البنية الرقمية الدفاعية.

القلق الشعبي: تعيش الشعوب الخليجية حالة من الترقب، حيث تفرض احتمالات التصعيد نوعاً من الحذر في الشارع والسياسة على حدّ سواء.


ختاماً: المنطقة إلى أين؟

المشهد الإقليمي مفتوح على سيناريوهين لا ثالث لهما: إما التوجّه نحو تسوية شاملة تقودها القوى الإقليمية العاقلة، وإما انزلاق إلى مواجهة كبرى تُعيد خلط الأوراق في المشرق برمّته. وبين هذا وذاك، تبقى أدوار المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا حاسمة، لا بوصفها أطرافاً ثانوية، بل كقوى تقريرية تُرسم على أساسها خرائط النفوذ والسيادة في الشرق الأوسط الجديد.

لقد بدأت مرحلة ما بعد الحرب، وإن لم تنتهِ الحرب بعد.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)