من يدفع الثمن؟

د. محمد الصاوي يكتب: 3 يوليو.. حين انقلبت مصر على إرادتها

profile
د. محمد الصاوي باحث في العلاقات الدولية
  • clock 27 يوليو 2025, 1:45:06 م
  • eye 432
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
3 يوليو.

في الثالث من يوليو/تموز 2013، لم يكن المصريون على موعد مع “تصحيح مسار”، كما زعمت بعض القوى، بل مع لحظة انقلاب كامل على أول تجربة ديمقراطية تشهدها البلاد منذ قرن. ففي مساء ذلك اليوم، ظهر وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي معلنًا عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، وتجميد العمل بالدستور، في مشهد أعاد هيمنة العسكر إلى الواجهة، بعد عام واحد من أملٍ ديمقراطي هَشّ ولد من رحم ثورة يناير.

لقد ارتُكبت الخطيئة باسم “الشرعية الثورية”، وبارك كثيرون ما ظنوه “إنقاذًا وطنيًا”، فإذا به يتحول إلى منظومة حكم قائمة على القمع والتأميم الكامل للفضاء العام.

ما قبل الانقلاب: أخطاء الإسلاميين وكمائن الدولة العميقة

لا يمكن فهم ما جرى دون الاعتراف بأن تجربة حكم جماعة الإخوان المسلمين لم تكن مثالية، بل شابها كثير من التردد في الإدارة، وضيق في الشراكة السياسية، وفشل في إدارة تعددية المجتمع المصري. غير أن تلك الأخطاء لم تكن مبررًا كافيًا لعسكرة المشهد.

الأهم من ذلك، أن مؤسسات الدولة العميقة – الأمنية والقضائية والإعلامية – لم تُسلّم مطلقًا بحكم مرسي، وسعت باكرًا إلى إفشاله وعزله عن أدوات القوة الحقيقية في الدولة. كانت المعركة إذن أكبر من الرئيس، وأعمق من الجماعة، إنها معركة على طبيعة النظام نفسه: مدني أم عسكري.

30 يونيو: من الاحتجاج إلى التمهيد للانقلاب

خرجت مظاهرات 30 يونيو مطالبة برحيل مرسي. لكن لم تكن هذه الاحتجاجات “ثورة ثانية”، بل كانت غطاءً شعبويًا لانقلاب يجري الإعداد له بعناية من داخل أجهزة الدولة، وبمباركة إقليمية ودولية. هنا لعب الإعلام الموجه دورًا حاسمًا في تأليب الرأي العام، وشيطنة كل ما يمت بصلة للإسلام السياسي، مستخدمًا مفردات التخويف والانهيار والفوضى.

وفي غياب وازن للقوى الثورية الحقيقية، وباستقالة شبه كاملة للنخب الليبرالية عن دورها كحارس للديمقراطية، أُطلقت يد المؤسسة العسكرية لتتدخل كـ”منقذ” من أزمة كانت في أصلها مصطنعة.

ما بعد 3 يوليو: هندسة الاستبداد

جاءت خارطة الطريق التي أعلنها السيسي محملة بوعود كبرى: دستور جديد، انتخابات، وعدالة انتقالية. لكن ما حدث فعليًا هو إعادة صياغة النظام السياسي على مقاس الحكم العسكري. حُلّت الأحزاب، حوصرت النقابات، أُغلقت الصحف، وسُجن الآلاف. أسوأ من ذلك، تمت إعادة تعريف الوطنية على أنها الطاعة، واعتُبر كل مخالف “خائنًا” أو “إرهابيًا”.

لم يكن الهدف فقط إزاحة الإخوان، بل كان القضاء على أي فرصة مستقبلية لوجود ديمقراطي حقيقي في مصر.

من يدفع الثمن؟

دفع المصريون ثمن الانقلاب من أرواحهم وحرياتهم واقتصادهم. قُتل المئات في رابعة، وتبخرت مكتسبات يناير، وتحولت مصر إلى دولة بوليسية مكتملة الأركان. وعلى الصعيد الإقليمي، مثّل انقلاب يوليو نقطة تحول أجهضت موجة الربيع العربي، وأعادت تثبيت أنظمة الحكم السلطوي في أكثر من بلد.

كلمة أخيرة: هل انتهت القصة؟

ليس بعد. فما زالت مصر – رغم كل ما مرّت به – تملك شعبًا حيًا وذاكرة قوية. قد تطول لحظة التيه، لكن الحقيقة التاريخية تؤكد أن الشعوب لا تنكسر إلى الأبد، وأن الانقلابات مهما طال عمرها لا تصنع شرعية.

ما حدث في 3 يوليو 2013 ليس مجرد حدث عابر، بل فصل مظلم في قصة لم تنتهِ بعد. ومثل كل فصل مظلم… لا بد أن يعقبه ضوء.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
المصادر

المراجع : 
• Brown, N.J. (2013). Egypt’s Wide State Reclaims its Role. Carnegie Endowment for International Peace.
• Kirkpatrick, D.D. (2018). Into the Hands of the Soldiers: Freedom and Chaos in Egypt and the Middle East. New York: Viking.
• Al-Anani, K. (2016). Upended Path: The Rise and Fall of Egypt’s Muslim Brotherhood. Middle East Journal, 70(4), 544-562.
• Human Rights Watch (2014). All According to Plan: The Rab’a Massacre and Mass Killings of Protesters in Egypt. [online] Available at: www.hrw.org
• International Crisis Group (2014). Egypt: Repression and Reversal. Middle East/North Africa Report No. 138.

التعليقات (0)