-
℃ 11 تركيا
-
2 أغسطس 2025
د.محمد الصاوي يكتب: بوتين يكتب شهادة وفاة النظام الأحادي: العالم يتجه إلى التعدد لا العودة
د.محمد الصاوي يكتب: بوتين يكتب شهادة وفاة النظام الأحادي: العالم يتجه إلى التعدد لا العودة
-
8 يوليو 2025, 1:15:23 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بوتين يكتب شهادة وفاة النظام الأحادي
“الزمن الذي يتحكم فيه طرف واحد بالعالم قد ولّى… والعالم الجديد سيكون متعدد الأقطاب، ومتعدد الفرص كذلك.”
— فلاديمير بوتين، قمة البريكس، يوليو 2025
في لحظة مفصلية من التاريخ الدولي الحديث، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – خلال كلمته في قمة البريكس التي عقدت في ريو دي جانيرو – نهاية النظام العالمي الأحادي القطب، الذي هيمنت عليه الولايات المتحدة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. لم يكن هذا الإعلان مجرد بيان سياسي؛ بل كان بمثابة تتويج لتحولات عميقة تُعيد تشكيل بنية القوة والنفوذ في النظام الدولي.
■ من العولمة إلى الانتقائية: انكسار النموذج الليبرالي
منذ تسعينيات القرن الماضي، سادت العولمة الليبرالية كإطار فكري واقتصادي مهيمن، فرضت من خلاله القوى الغربية – بقيادة واشنطن – أنموذجًا وحيدًا للعلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية. إلا أن سلسلة الأزمات العالمية، مثل جائحة كوفيد-19، والحرب الروسية الأوكرانية، والتوترات المتزايدة في بحر الصين الجنوبي، كشفت هشاشة هذا النموذج، ودفعت العديد من الدول إلى تبنّي سياسات حمائية وانتقائية، تُعيد الاعتبار للمصلحة الوطنية والسيادة الاقتصادية.
■ بوتين – شي: من التحالف السياسي إلى التنسيق الاستراتيجي
تصريحات بوتين الأخيرة لم تأتِ بمعزل عن الحراك المتسارع الذي تقوده كل من روسيا والصين في مواجهة النظام القائم. وقد أكّد الرئيس الصيني شي جين بينغ، في خطابه أمام القمة ذاتها، أن “العالم لم يعد بحاجة إلى الهيمنة بل إلى الشراكة المتوازنة بين الأمم.”
تحالف “الدب والتنين” لم يعد مجرد تحالف مصالح مؤقت، بل تحوّل إلى مشروع بديل متكامل يسعى إلى:
• توسيع نطاق التسويات التجارية بالعملات الوطنية.
• تقليص الاعتماد على الدولار ونظام “سويفت”.
• إنشاء شبكات لوجستية وتمويلية خارج النطاق الأطلسي.
ويُشار إلى أن الناتج المحلي الإجمالي المجمع لدول البريكس (بعد انضمام أعضاء جدد) قد تجاوز 37% من الناتج العالمي في 2025، مقارنة بـ 30% فقط للغرب الصناعي، وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي.
■ لحظة “يالطا جديدة”: العالم يُعاد رسمه دون حرب
على غرار لحظة يالطا 1945، التي أعادت ترسيم حدود النفوذ الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، نحن اليوم أمام لحظة تحول استراتيجية، ولكن هذه المرة دون حرب شاملة.
إن التعددية القطبية الناشئة لا تنبع من صراع عسكري مباشر، بل من تراكم طويل لأزمات الشرعية والتمثيل في النظام الليبرالي. منظمات مثل مجلس الأمن وصندوق النقد لم تعد تعكس ميزان القوة العالمي الجديد.
دول مثل الهند، والبرازيل، وتركيا، وإندونيسيا، باتت تمتلك وزنًا اقتصاديًا ودبلوماسيًا يجعلها قوى مستقلة قادرة على التأثير وصياغة الأجندة الدولية، وليس مجرد “هوامش للقرار الغربي”.
■ الغرب في مأزق: بين التكيّف والردع
يبدو أن الولايات المتحدة، ومعها الاتحاد الأوروبي، تمران بمرحلة اضطراب استراتيجي؛ فبينما تحاول واشنطن تعزيز تحالفات عسكرية جديدة – مثل AUKUS وQUAD – تواجه تراجعًا في قدرتها على فرض سرديتها الأحادية، لا سيما في الجنوب العالمي.
خيارات الغرب تضيق بين:
• التكيّف البراغماتي مع الواقع الجديد، وقبول التعددية.
• الردع الخشن عبر العقوبات والعزل ومحاولات الانقسام الجغرافي.
لكن أي نهج يستثني القوى الناشئة أو يتعامل معها بتعالٍ، سيزيد من تفكك النظام الليبرالي بدل إنقاذه.
■ هل انتهى النظام أم تحوّل مركزه؟
من الخطأ الاعتقاد أن النظام الدولي قد انهار؛ بل الصحيح أنه يعيد تشكيل مركز ثقله. فبدل أن يتمركز حول واشنطن أو بروكسل، بات الآن متعدد المراكز، تنسجه أنقرة، وبكين، ونيودلهي، وساو باولو، بديناميات مختلفة ولغات مصالح متباينة.
ما بعد القطب الواحد ليس فوضى، بل تفاوض طويل على النظام. والقواعد الجديدة للعالم لا تُكتب في نيويورك وحدها، بل في موسكو، وجوهانسبرغ، والرياض، ودكا، وكوالالمبور.
■ إعلان بوتين ليس تهديدًا… بل دعوة لإعادة التوازن
تصريحات بوتين لم تكن خطابًا عابرًا، بل ترجمة صريحة لرغبة متنامية في نظام أكثر عدالة وشمولًا.
إنه ليس إعلان حرب على الغرب، بل إعلان نضج عالمي جديد يطالب بنظام دولي يعكس واقع القوى الصاعدة، ويُنهي احتكار القوة والنفوذ.
في ظل هذا الواقع الجديد، لم يعد السؤال: “من يحكم العالم؟”
بل: “كيف نحكم عالمًا لا مركز له؟”










