-
℃ 11 تركيا
-
3 أغسطس 2025
د.محمد الصاوي يكتب: كيف تحوّلت قطر إلى صانع قرار في ملف غزة؟ الدوحة بين خيوط التهدئة ونيران نتنياهو
الدوحة بين خيوط التهدئة ونيران نتنياهو
د.محمد الصاوي يكتب: كيف تحوّلت قطر إلى صانع قرار في ملف غزة؟ الدوحة بين خيوط التهدئة ونيران نتنياهو
-
10 يوليو 2025, 12:50:20 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في الشرق الأوسط، حيث تُكتب معادلات النفوذ بالدم والنار، لا شيء يبقى على حاله… إلا التوازن المختل. وبينما تتساقط أوراق الحلول السياسية في سماء غزة، تصعد الدوحة بهدوء إلى قلب معادلة الصراع، ليس كوسيط تقليدي، بل كطرف يصوغ قواعد الاشتباك بلغة مختلفة: دبلوماسية ناعمة تُفاوض بالمال والمواقف معًا.
لكن هذا الصعود القطري، الذي أبهر بعض العواصم وأربك أخرى، يصطدم بجدار صلب في تل أبيب: حكومة نتنياهو، المحاصرة داخليًا بيمينٍ ديني متطرف، ترى في كل هدنة تنازلًا، وفي كل مسار تفاوضي “بوابة لهزيمة مؤجلة”.
فهل تنجح قطر في تثبيت خيوط التهدئة بين السماء المنهارة فوق غزة، وسقف القرار المتشقق في إسرائيل؟
وهل باتت الدوحة تدير الملف الغزّي عن بُعد، فيما تغرق تل أبيب في صراعاتها الأيديولوجية؟
هذا المقال لا يكتفي بطرح الأسئلة، بل يذهب مباشرة إلى قلب العاصفة… حيث الوساطة تتحول إلى معركة نفوذ، وحيث الخيط الرفيع بين الحرب والسلام تُمسكه قطر بإحكام.
أولًا: ملامح الوساطة القطرية في الصراع الغزّي (2023–2025)
أ. من التمويل الإنساني إلى الدبلوماسية السياسية:
لعبت قطر، منذ عام 2012، دورًا متدرجًا في قطاع غزة، بدأ كممول إنساني عبر مشاريع البنية التحتية ودفع الرواتب، ثم تطور إلى دور سياسي معقد بعد تصاعد الحروب (2014، 2021، وأخيرًا 2023).
وقد اعترف بيان رسمي صادر عن الخارجية الأمريكية (2024) بأنّ قطر أدّت “وظيفة محورية في تسهيل الممرات الإنسانية وضمان التواصل غير المباشر مع حماس، بما يضمن الحفاظ على خيوط الاتصال عند فشل الخيارات العسكرية”.
ب. أدوات النفوذ القطري:
اعتمدت قطر في وساطتها على أدوات مرنة، منها:
• علاقات مزدوجة: مع الغرب من جهة، ومع الفصائل الفلسطينية من جهة أخرى.
• استضافة سرية للتفاوض: كما كشفته مذكرة سرّية مسرّبة من وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA، 2025)، أفادت بأنّ الاتصالات غير المباشرة بين واشنطن وحماس نُقلت في مراحل متعددة عبر وسطاء قطريين، وبموافقة إسرائيلية ضمنية.
• استخدام الدعم الإنساني كأداة ضغط سياسي.
ج. شرعية الوساطة في السياق الدولي:
من أبرز الدعامات التي منحت الوساطة القطرية قوة معنوية، القرار 2712 الصادر عن مجلس الأمن (2023)، الذي دعا إلى ضرورة إنشاء ممرات إنسانية فورية ودائمة في غزة. وقد استندت قطر في معظم تدخلاتها إلى هذا القرار كمرجعية شرعية دولية تعزز من حضورها كفاعل غير تقليدي في نزاع معقد.
هل تحكم إسرائيل غزة من الدوحة؟
السؤال الذي لم يُطرح: في ظل فشل كل الوسطاء، هل أصبحت الوساطة القطرية هي من تُدير خيوط التهدئة والتحكم في وتيرة التصعيد؟
وإن كان كذلك، فهل تخوض قطر دورًا أكبر من مجرد وسيط؟ وهل يمكن أن نكون أمام “قطرنة” للملف الغزّي؟
ثانيًا: توازنات حكومة نتنياهو وتحديات الانخراط في أي تهدئة
أ. تركيبة الحكومة: تحالف معطِّل
تشكلت حكومة نتنياهو السادسة عام 2023 من ائتلاف يميني قومي – ديني يضم أطرافًا تعارض أي شكل من أشكال التسوية، وتعتبر التفاوض مع حماس “مكافأة للإرهاب”.
وقد جاء في بيان رسمي لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي (2024) أن الحكومة “لن تقبل بأي تسوية لا تتضمن نزعًا كاملًا لقدرات حماس العسكرية”، في إشارة واضحة إلى رفض المقاربة القطرية التي تفصل بين البُعدين الإنساني والسياسي.
ب. الانقسام داخل المؤسسة الإسرائيلية:
تشير تحليلات أجهزة الأمن الإسرائيلية إلى ميلٍ داخل أوساط الجيش والموساد نحو قبول تهدئة مؤقتة تتيح إعادة التموضع الاستراتيجي، خلافًا لمواقف قادة الائتلاف المتطرف. إلا أن الخطاب العلني للحكومة لا يزال أسيرًا لاعتبارات اليمين الشعبوي، ما يجعل أي تفاهم يُصاغ عبر قناة قطرية عرضة للانهيار السياسي داخليًا.
ج. رهانات نتنياهو الخارجية:
في ظل العزلة الأوروبية المتزايدة، يعوّل نتنياهو على دعم إدارة ترامب لتأمين غطاء سياسي لأي خطوة تفاوضية عبر الوساطة القطرية. لكن هذا الغطاء يظل هشًا أمام تصعيد الضغوط من داخل الكنيست، خصوصًا بعد التظاهرات التي شهدتها تل أبيب ضد “التساهل مع قطر” إثر تسريب مضمون مذكرة الـCIA (2025).
لماذا تخشى إسرائيل نجاح قطر؟
الحقيقة أن نجاح الوساطة القطرية يُعيد توازن التأثير في الملف الفلسطيني بعيدًا عن القاهرة وواشنطن.
هذا ما يدفع اليمين الإسرائيلي إلى محاولة إفشال أي تحرك تقوده الدوحة، لأن النجاح يعني ببساطة: دخول لاعب جديد يتحكم في مفاتيح الحرب والسلام في غزة.
ثالثًا: التقاطع بين المسارين – فرص النجاح وحدود الفشل
تُعدّ الوساطة القطرية اليوم واحدة من أنجح أدوات “الدبلوماسية الوظيفية” في الشرق الأوسط، لكنها تواجه حدودًا بنيوية ناتجة عن:
• التحفّظات العقائدية داخل إسرائيل تجاه أي حل لا يقوم على “الحسم”.
• التسييس الداخلي لمسار التهدئة: حيث بات أي انفتاح تفاوضي، حتى لو كان إنسانيًا، يُستخدم كسلاح في الصراعات الائتلافية.
• غياب ضغط دولي حاسم يجبر إسرائيل على القبول بخطة تهدئة متكاملة.
ومع أن معظم الوسطاء يعتمدون على أدوات دبلوماسية تقليدية، فإن قطر تمارس دورًا وظيفيًا مركبًا، يتطلب قبولًا من كافة الأطراف الفاعلة، لا سيما تلك المتصلبة أيديولوجيًا داخل الحكومة الإسرائيلية.
تعكس التجربة القطرية في الوساطة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية نموذجًا متقدمًا للدبلوماسية الوظيفية في بيئة صراعية، لكنها تعاني من حدود غير مرئية تتعلق بتركيبة القرار الإسرائيلي لا بقدرات الوسيط.
ما لم تنجح واشنطن (أو حتى الأمم المتحدة) في تأطير العملية السياسية داخل مسار دولي ملزم يستند إلى قرارات شرعية كـالقرار 2712 (2023)، فإن أي مبادرة – حتى من وسيط نشط كقطر – ستبقى مؤقتة، وهشة، وعُرضة للانهيار في مواجهة تحوّلات داخلية في تل أبيب أو الميدان الغزّي.
إنّ الأزمة في غزة لم تعد أزمة تفاوض أو لغة دبلوماسية، بل أزمة غياب إرادة سياسية جادة، وخلل هيكلي في ميزان الردع والشرعية داخل بنية النظام الإقليمي.









