-
℃ 11 تركيا
-
3 أغسطس 2025
د. محمد الصاوي يكتب: غزة تُفجّر النظام العالمي: من الأنقاض إلى قلب المعركة على الشرعية
د. محمد الصاوي يكتب: غزة تُفجّر النظام العالمي: من الأنقاض إلى قلب المعركة على الشرعية
-
9 يوليو 2025, 11:07:29 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
من غزة إلى لاهاي… من رفح إلى نيويورك… تتقاطر الأسئلة ولا تجد جوابًا:
هل قصف مستشفى يُسمّى دفاعًا عن النفس؟ هل إبادة حيّ سكني تُعتبر حقًا سياديًا؟ وهل تصبح طفلة مبتورة في غزة أخطر على الأمن الدولي من دبابة نووية في تل أبيب؟
في زمن الانكشاف الأخلاقي، لم تعد الأسئلة بريئة… بل دامغة.
في اللحظة التي تحوّلت فيها شوارع باريس ونيويورك وبوينس آيرس إلى لوحات تضامن مع غزة، كانت السياسة الدولية تنكشف على حقيقتها: نظام دولي فقد أخلاقيته، وتخلّى عن معاييره، ولم يعد مركزًا واحدًا يحكمه.
الحرب الإسرائيلية على غزة (2023–2025) لم تكن فقط فصلاً دمويًا جديدًا في صراع الشرق الأوسط، بل كانت — وربما لأول مرة منذ حرب العراق — مرآة تكشف عجز الأمم المتحدة، وتراجع الهيمنة الغربية على مفاهيم مثل “الشرعية” و”الإرهاب” و”السيادة”.
❖ الشرعية لم تعد غربية… والجنوب العالمي يُمسك بالميكروفون
حين رفعت جنوب إفريقيا دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، لم تكن تحاكم تل أبيب فقط، بل كانت تحاكم النظام الدولي كله.
دول من آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية دعمت هذا التوجه، وأعلنتها صراحة:
“لسنا جزءًا من نظام أخلاقي يصمت على قتل الأطفال ويبرّر الحصار باسم الدفاع عن النفس.”
هذا ليس خطابًا شعبيًا. إنه إعادة تشكيل لمركزية الشرعية الدولية.
❖ المفكرون يقولون: العالم لم يعد أحاديًا… وغزة الدليل
*يقول المفكر أميتاف أشاريا، أحد أبرز منظّري العلاقات الدولية اليوم:
“في عالم متعدد الطبقات، لم يعد هناك من يمنح الشرعية من الأعلى، بل تُنتزع من خلال الصراع والتفاوض.”
غزة أثبتت صحة هذا التصور. فقد سقطت ورقة التوت عن “نظام دولي قائم على القيم”، ليتبيّن أن من لا يملك القوة الإعلامية أو الاقتصادية، يمكنه الآن أن يفرض السردية – إن امتلك الحق والدعم الشعبي العالمي.
❖ عندما تتحدث بريكس، وتصمت واشنطن
خلال حرب غزة، لم تكن بيانات البيت الأبيض هي من تحرك الشعوب. بل كانت خطابات البرازيل في الأمم المتحدة، ومواقف الصين في مجلس الأمن، وخطب أردوغان التي وصفت إسرائيل بأنها “نظام فصل عنصري متطرف”، هي التي تصدرت الشاشات ومنصات التواصل.
هذا التغير يُظهر أن الغرب لم يعد مركز الكون السياسي… وأن الجنوب العالمي لم يعد مستهلكًا للشرعية، بل منتِجًا لها.
❖ غزة ليست الهامش… إنها مركز النظام العالمي الجديد
لا تملك غزة سلاحًا نوويًا، ولا مقعدًا دائمًا في مجلس الأمن، لكنها أقوى ما يكون في لحظة التفكك العالمي.
لقد فرضت — من خلال دماء أبنائها وأنقاض منازلها — سؤالًا صارخًا أمام العالم: من يملك الحق في تعريف “الإرهاب”؟ ومن يملك سلطة تبرير الإبادة؟
والإجابة لم تأتِ من نيويورك… بل من بريتوريا، وكوالالمبور، وبوغوتا، وأنقرة.
❖ الدم بالأرقام: حين تتكلم الحقيقة بلا عاطفة
قُتل خلال هذه الحرب أكثر من 38,000 فلسطيني، وأُصيب ما يزيد عن 82,000، غالبيتهم من المدنيين، وفق تقارير وزارة الصحة في غزة ومنظمات مثل أطباء بلا حدود وهيومن رايتس ووتش.
وفي المقابل، قدّمت الولايات المتحدة دعمًا عسكريًا مباشراً لإسرائيل تجاوز 14.3 مليار دولار منذ أكتوبر 2023، تضمّن ذخائر ذكية وقنابل خارقة للتحصينات، رغم التوثيق اليومي للانتهاكات الجسيمة.
لم تُوقف واشنطن الدعم، ولم تتحرك الأمم المتحدة فعليًا — ما يجعل غزة ليست فقط ضحية، بل وثيقة حية على تآكل الضمير الدولي.
❖ عندما تتحوّل غزة من جغرافيا إلى مرآة كونية
ما يحدث في غزة لم يعد شأنًا فلسطينيًا فقط، بل اختبارًا كونيًا للعالم: من يصمت، ومن يتواطأ، ومن يقاوم بالرأي والموقف والكلمة.
في ظل صمت المؤسسات وتواطؤ القوى الكبرى، تتحوّل غزة إلى مرآة ضخمة تعكس انهيار القيم الدولية، وانكشاف ادعاءات الغرب عن العدالة والحرية.
ليست هذه معركة قنابل وصواريخ فقط، بل معركة على من يملك حق تعريف الخير والشر، المقاومة والإرهاب، الشرعية والوحشية.
وغزة — بجراحها وأطفالها ومآذنها المهدّمة — أصبحت مركز هذه المعركة، لا هامشها.
ولمن لا يزال يتساءل عن شكل النظام العالمي القادم… فليُنصت جيدًا لصوت الركام
*المفكر الهندي البارز أميتاف أشاريا (Amitav Acharya)، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية بواشنطن، يُعدّ من أبرز المنظّرين لما يُعرف بـ“النظام المتعدد الطبقات”، حيث تُنتج الشرعية الدولية عبر التفاعل بين القوى المتعددة، لا من خلال هيمنة الغرب وحده.








