د. محمد الصاوي يكتب: عودة الشبح.. هل يُعيد السيسي إحياء الإخوان لاستكمال شرعية الأمن؟

profile
د. محمد الصاوي باحث في العلاقات الدولية
  • clock 23 يوليو 2025, 9:54:12 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
د. محمد الصاوي يكتب: عودة الشبح.. هل يُعيد السيسي إحياء الإخوان لاستكمال شرعية الأمن؟

شهدت العلاقة بين النظام المصري وجماعة الإخوان المسلمين منذ عام 2013 تحولات جذرية، أبرزها التحول من المشاركة السياسية إلى المواجهة الشاملة. وفي السنوات الأخيرة، ومع انحسار الحضور التنظيمي العلني للجماعة داخل مصر، بدا وكأن التوتر بين الطرفين في طريقه إلى التجميد. إلا أن عودة النظام المصري لإثارة ملف “حركة حسم” بوصفها “الجناح العسكري” للجماعة، يعيد الصراع إلى الواجهة، ويطرح تساؤلات حول خلفيات هذا التصعيد، خصوصًا في ظل تغيّرات إقليمية ودولية متسارعة.


بين  طيات هذه السطور نهدف إلى تحليل أبعاد هذا التوتر المتجدد، وقراءة الدوافع السياسية والأمنية الكامنة خلفه، وتفكيك العلاقة بين الخطاب الرسمي للدولة المصرية ومجريات المشهد الإخواني داخليًا وخارجيًا.

السياق العام لعودة التصعيد

الخلفية السياسية

بعد عزل الرئيس محمد مرسي في يوليو 2013، صنّفت الدولة المصرية جماعة الإخوان كـ”تنظيم إرهابي”، وشرعت في تفكيك بنيتها التنظيمية من خلال حملات أمنية موسعة، واعتقال عشرات الآلاف من أعضائها. إلا أن السنوات اللاحقة أظهرت حالة من التآكل التنظيمي الداخلي، يقابلها صراع على القيادة في الخارج، ما أوحى بضعف الجماعة وعدم قدرتها على التأثير الفعلي في الداخل المصري.

تحولات إقليمية ودولية

جاءت موجة “التطبيع العربي” مع النظام المصري، وتراجع بعض الدول عن دعم الإسلام السياسي، لتمنح القاهرة هامشًا أوسع لإعادة ضبط أولوياتها الأمنية. كما أن تصاعد انتقادات الغرب لسجل مصر الحقوقي قد يكون دافعًا وراء إعادة إحياء خطاب “الإرهاب الداخلي”، لتبرير استمرار القبضة الأمنية.

 “حركة حسم” كرمز لإعادة إنتاج “الخطر الإخواني”

النشأة والغموض التنظيمي

ظهرت حركة حسم في منتصف عام 2016، وتبنت عمليات استهدفت شخصيات أمنية وقضائية. وعلى الرغم من اتهامات النظام بارتباطها المباشر بجماعة الإخوان، فإن الحركة لم تصدر خطابًا أيديولوجيًا منسجمًا مع فكر الجماعة، ولم يتم تقديم أدلة قطعية تثبت العلاقة التنظيمية بين الطرفين.

التوظيف السياسي والإعلامي

يعكس توقيت إعادة الحديث عن حسم محاولة رسم “تهديد إرهابي متجدد”، يخدم تسويق خطاب أمني داخلي في مواجهة أزمات اقتصادية؛ تصدير صورة “مصر كجدار صد أول” أمام الإرهاب ، شيطنة المعارضين في الخارج وربطهم ضمنيًا بالعمل المسلح.

موقف الجماعة بين الداخل والخارج

حالة التنظيم في الداخل

أدت الضربات الأمنية إلى تقويض البنية التنظيمية للجماعة داخل مصر. وأغلب الكوادر المحورية إما في السجون أو غادرت البلاد، مما أحدث فراغًا تنظيميًا انعكس على ضعف القدرة على التعبئة أو إعادة التموضع.

التمزق التنظيمي في الخارج

ظهر في السنوات الأخيرة انقسام واضح بين أجنحة الجماعة في الخارج، خاصة بين جبهة إبراهيم منير (التي حاولت الانخراط في المسار السياسي) وجبهة محمود حسين (التي تمسكت بالبنية التقليدية). هذا التمزق أسهم في إضعاف الخطاب السياسي، وخلق حالة من العزلة التنظيمية عن الشباب.

جدلية الخطاب الرسمي وواقع الجماعة

مدى مصداقية الرواية الأمنية

رغم الاتهامات الرسمية المتكررة بضلوع الجماعة في العنف، فإن المحاكمات الجماعية التي طالت مئات الأفراد، افتقرت إلى الحد الأدنى من معايير المحاكمة العادلة بحسب منظمات دولية مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.

الإرهاب كأداة لضبط المجال العام

الخطاب الأمني الرسمي يعيد تدوير مفهوم “الخطر الإخواني” كوسيلة لضبط المجال العام سياسيًا، وإجهاض أي محاولات لإعادة بناء معارضة مدنية أو نخبوية.
سيناريوهات المستقبل

في ضوء ما سبق، يمكن تصور عدد من السيناريوهات المحتملة:
- تصعيد أمني موجه ضد معتقلي الجماعة داخل السجون، ضمن استراتيجية “الردع الرمزي”.
- مزيد من الضغط الدولي على قيادات الجماعة في الخارج، خاصة في الدول المضيفة التي تربطها علاقات وثيقة بالقاهرة.
- محاولة تفكيك الجماعة من الداخل عبر تشجيع الانشقاقات، أو التفاوض السري مع قيادات منشقة.
- استثمار ورقة الإرهاب إعلاميًا مع اقتراب استحقاقات سياسية أو اقتصادية محلية حساسة.

إن تجدد التوتر بين النظام المصري وجماعة الإخوان في ظل غياب مؤشرات فعلية على تهديد تنظيمي حقيقي، يكشف عن رغبة النظام في إعادة توظيف الجماعة كعدو دائم يُبرر استمرار منظومة الضبط الأمني والسياسي. ومع تصاعد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، يبدو أن استراتيجية “شيطنة الإخوان” ستبقى أحد أعمدة السردية السلطوية، ما لم يُفتح أفق حقيقي لتسوية سياسية شاملة تُنهي حالة الإقصاء المستمر.
———

الكلمات المفتاحية:
• جماعة الإخوان المسلمين
• النظام المصري
• السجون السياسية في مصر
• حركة حسم
• العنف السياسي
• الإسلام السياسي
• تصنيف الجماعات الإرهابية
• الخطاب الأمني المصري
• الانقسام بين الداخل والخارج
• ما بعد انقلاب 2013
• الاستراتيجية الأمنية
• المعارضة في المنفى
• شرعية الدولة
• القمع السياسي
• مستقبل الإسلاميين في مصر

المراجع  
1. Amnesty International. (2024). Egypt: Human Rights under Siege.
2. Human Rights Watch. (2023). Mass Trials and Politicized Justice in Egypt.
3. Al-Anani, Khalil. (2019). Inside the Muslim Brotherhood. Oxford University Press.
4. Carnegie Middle East Center Reports (2023–2025).
5. Brookings Doha Center (2023). Authoritarian Resilience in Egypt.
‎ 6. الجزيرة للدراسات، تقارير وتحليلات حول جماعة الإخوان المسلمين.

التعليقات (0)