د. محمد الصاوي يكتب: التهجير القسري في غزة: لحظة اختبار للضمير الغربي وقيم النظام الدولي

profile
د. محمد الصاوي باحث في العلاقات الدولية
  • clock 13 يوليو 2025, 10:32:06 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تعود إلى الواجهة اليوم – وبقسوة غير مسبوقة – خطة لطالما ظن الكثيرون أنها دُفنت في طيات النسيان: التهجير القسري لسكان غزة. ما كان في الأمس يُهمَس به في دوائر ضيقة، بات اليوم يُناقَش علنًا في غرف صنع القرار داخل إسرائيل، وبتواطؤٍ صامت – وأحيانًا صريح – من قوى غربية تنظر إلى المأساة الفلسطينية بعدسة براغماتية باردة، متجاهلة القانون، والأخلاق، وحتى التاريخ.

وقد عايشنا – كمتابعين وخبراء – كيف تحوّلت الفكرة من “افتراض مرفوض” إلى مقترح قابل للنقاش… وهذا وحده كافٍ لقرع ناقوس الخطر.

عندما تتحوّل الخطط إلى وقائع إعلامية

         منذ بداية حرب غزة الأخيرة (2023–2025)، بدأت تتسرب وثائق وتقارير تشير إلى تصورات متكاملة لإفراغ القطاع تدريجيًا من سكانه. ففي يوليو 2025، كشفت صحيفة The Guardian البريطانية عن تسريب من وزارة الدفاع الإسرائيلية يشير إلى خطة لإقامة “مدينة إنسانية آمنة” في جنوب القطاع، تُدار تحت إشراف عسكري مباشر، وتستوعب مئات الآلاف من النازحين داخليًا. وبالموازاة، رصدت (منصة بوليتيكو الأمريكية) في تقرير استخباري وجود خطط لإعادة توطين جزئي لبعض الفلسطينيين خارج غزة، وهو ما رفضته كل من مصر والأردن والأمم المتحدة رسميًا.

الواقع الميداني: أرقام تتحدث عن نفسها

           بحسب تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UN OCHA)، فإن أكثر من 85% من سكان القطاع – أي حوالي 1.8 مليون نسمة – قد تم تهجيرهم داخليًا منذ أكتوبر 2023، في ظل انهيار البنية التحتية وغياب أدنى مقومات الحياة. ولكن المؤلم أكثر من الكارثة نفسها، هو تطبيع الكارثة: الحديث عن حلول “إنسانية مؤقتة”، دون أي التزام بإعادة السكان إلى بيوتهم، أو الاعتراف بحقهم الطبيعي في العودة. وهذه، في جوهرها، ليست مساعدة… بل تمرير ناعم لسياسة اقتلاع.

جريمة لا تسقط بالتبرير… ولا بالتقادم

تؤكد اتفاقية جنيف الرابعة، والمواد 7 و8 من نظام روما الأساسي، أن التهجير القسري للسكان المدنيين أثناء النزاعات يُعد جريمة حرب. لا يجوز تبريره بـ”الظروف الأمنية” ولا تغليفه بـ”الحلول المؤقتة”. وفي هذا السياق، وصفت منظمة العفو الدولية (Amnesty International) في تقريرها (يونيو 2025) سياسة إسرائيل في غزة بأنها “عملية تطهير عرقي مقنّع، يتم تنفيذها على مراحل، وتحت غطاء إنساني زائف.”

الغرب أمام مرآته الأخلاقية

      وقد لا أُخفي، بصفتي باحثًا في العلاقات الدولية، أن أكثر ما يثير قلقي ليس فقط ما يحدث داخل غزة، بل ما يحدث خارجها: في العواصم الغربية، وفي صمت المؤسسات الدولية التي كانت، يومًا، تُرفع كشعارات للعدالة والضمير العالمي.
فإذا استمر هذا الصمت، أو استُبدل بإدانات لفظية لا تتبعها خطوات حقيقية، فإن الغرب سيخسر أكثر بكثير من مصداقيته. إنه يخسر معناه الأخلاقي أمام شعوب العالم.

كلمة أخيرة:

إن حماية الفلسطينيين ليست فقط مسألة إنصاف، بل ركيزة أساسية لاستقرار الشرق الأوسط، وسلامته من التطرف والفوضى، وهي مسؤولية جماعية تقع – أولًا – على عاتق من يمتلك القرار، والسلاح، والكاميرا، والموقف.

إن السماح لهذه السياسات بأن تتحوّل إلى واقع فعلي لا يمثّل فقط مأساة إنسانية، بل فشلًا تاريخيًا للنظام الدولي في أهم اختباراته.
 

📚 المراجع:
• The Guardian (July 8, 2025): Israeli population transfer plans exposed.
• UN OCHA (May 2025): Gaza Humanitarian Response Report.
• Amnesty International (June 2025): Forced Displacement in Gaza: A Crime in Process.
• Politico (July 2025): CIA Memos on Gaza Evacuation Options.
• ICRC / Geneva Conventions (Updated 2024): Article 49 and protection of civilians.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)