-
℃ 11 تركيا
-
17 أغسطس 2025
د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: من القاهرة إلى غزة.. توحيد الفصائل سبيل الإنقاذ
د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: من القاهرة إلى غزة.. توحيد الفصائل سبيل الإنقاذ
-
16 أغسطس 2025, 6:48:17 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: من القاهرة إلى غزة.. توحيد الفصائل سبيل الإنقاذ
إن ما يجري اليوم في غزة من محرقة غير مسبوقة، إبادة وتجويع وتدمير شامل، يضع الفصائل الفلسطينية أمام مسؤولية تاريخية كبرى لا تحتمل التأجيل أو التبرير. إن توحيد الفصائل لم يعد مجرد خيار سياسي، بل ضرورة وجودية لوقف هذه الكارثة الإنسانية، ولمواجهة الاحتلال الذي يستثمر الانقسام كأداة رئيسية لإطالة عدوانه وتكريس هيمنته.
لقد كشفت ملحمة غزة الأخيرة أن وحدة الميدان الشعبي والمقاوم هي السلاح الأنجع في صدّ العدوان، وأن غياب الجبهة السياسية الموحدة أضعف قدرة الفلسطينيين على تحويل التضحيات إلى إنجازات وطنية. ومن هنا، تصبح الوحدة الوطنية اليوم شرطًا لوقف المحرقة، واستعادة زمام المبادرة، وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية على المستويين الإقليمي والدولي.
منذ الانقسام بعد أوسلو 1994، تآكلت الشرعيات وتراجعت القدرة الوطنية أمام تغول الاحتلال. واليوم، أكدت المحرقة الدائرة في غزة أن وحدة الفصائل لم تعد مطلبًا شعبيًا فحسب، بل صارت خط الدفاع الأخير عن وجود الشعب نفسه. فلا يمكن مواجهة مشروع التهجير والتصفية بصفوف متفرقة، بل بجبهة وطنية تقوم على الشراكة والتعددية وبرنامج تحرري يوازن بين المقاومة والسياسة.
لكن ما نشهده في المشهد الفلسطيني الرسمي، وخاصة من سلطة رام الله، يسير عكس هذا الاتجاه؛ إذ تحاول السلطة استغلال المحرقة لفرض هيمنة سياسية عبر إقصاء الآخر والتماهي مع الاحتلال، بتكرار دعوات نزع السلاح. هذه السياسة لا توقف المحرقة، بل تعمّق الانقسام وتمنح الاحتلال فرصة إضافية لإطالة عدوانه. وفي المقابل، ورغم كل الخراب، ما زالت المقاومة تحظى بتأييد شعبي واسع، كما تؤكد استطلاعات الرأي التي تكشف تفوقها حتى في الضفة والشتات، بل إن جموع أبناء فتح خرجت في الضفة تهتف للسنوار والضيف، في مشهد يكشف نبض الجماهير.
يشكل اجتماع قادة الفصائل الفلسطينية الرئيسية في القاهرة، بما فيها فصائل منظمة التحرير، فرصة ثمينة ينبغي البناء عليها فورًا. ومن هنا، فإنني أدعو إلى تشكيل فريق وطني مؤقت من رحم هذا الاجتماع، يعمل كفريق إنقاذ لغزة ويمارس مهامه التنفيذية حتى إجراء الانتخابات الفلسطينية. هذه الخطوة تمثل سدًّا للفراغ القيادي، وضمانًا لئلا تُترك غزة لمصيرها في مواجهة العدوان بلا غطاء سياسي وطني جامع. وهي لا تلغي الاستحقاقات الدستورية، بل تمهّد لها وتعيد الثقة بالعمل الوطني المشترك.
إن اليوم التالي لغزة لا يمكن أن يُبنى على رؤية أمريكية–إسرائيلية، ولا على إقصاء أي فصيل، بل على توافق فلسطيني داخلي حقيقي. والتوافق يعني الالتزام باتفاقات المصالحة السابقة، وآخرها لقاء بكين، وتشكيل قيادة انتقالية شاملة، وإعادة بناء منظمة التحرير على أسس ديمقراطية، وإطلاق مشروع وطني جامع يترجم التضحيات إلى مسار تحرري واضح.
وتبدأ خطة استعادة الوحدة بخطوات عاجلة: وقف كل أشكال التحريض، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، عقد منتدى وطني جامع، وتشكيل حكومة وفاق أو هيئة قيادية موحدة لإدارة المرحلة. يلي ذلك وضع استراتيجية وطنية موحدة تشمل الموقف من تهويد القدس، وضم الضفة، والاستيطان، والمفاوضات، وقضية اللاجئين. كما يجب دمج الجهود الإعلامية في خطاب وطني واحد، يضع وقف المحرقة ودعم صمود غزة في صلب أولوياته.
ويوازي ذلك تعزيز التنسيق الميداني عبر غرفة عمليات مشتركة للفصائل، وتوحيد العمل الشعبي، مع تعبئة المجتمع الفلسطيني في الداخل والخارج من خلال لجان شعبية ومؤتمرات للشتات، تسند صمود غزة وتربطها بالمشروع الوطني الجامع.
إن نجاح هذه الخطة مرهون بإرادة سياسية جادة، ومناخ من الثقة والشراكة الوطنية، قبل أن يكون رهنًا بالدعم الدولي أو الإقليمي. إن وحدة الفصائل اليوم ليست مجرد أداة لتحرير القدس أو مواجهة الاستيطان، بل هي السبيل الوحيد لوقف المحرقة المستمرة في غزة، وإنقاذ الشعب من مشروع الإبادة والتهجير.









