من طلاب إلى جنود: كيف ترسل روسيا المصريين إلى الخطوط الأمامية في أوكرانيا؟

profile
  • clock 30 مايو 2025, 8:29:16 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
لافتة إعلانية لوكالة تساهيل للسفر، كُتب عليها "تساهيل، بوابتك إلى روسيا". تقع الوكالة بجوار المركز الثقافي الروسي في القاهرة، مصر.

في فبراير 2025، تحولت حياة جورج ناصر، البالغ من العمر 34 عامًا، من قرية بمحافظة المنيا بصعيد مصر، إلى كابوس. أُرسل جورج وعشرات الشباب من قريته إلى روسيا عن طريق وسيط، بوعد بالعمل في قطاع البناء وراتب شهري قدره 3000 دولار أمريكي. أخبرهم الوسيط، الذي كان في الواقع مُتاجرًا بالبشر، أن الصراع في أوكرانيا خلق حاجة ماسة للعمالة في مصانع روسيا، وأن البلاد بحاجة ماسة للعمال.

طوال رحلته، حلم الشاب المصري بالراتب الذي كان من المفترض أن يُغيّر حياته وحياة ابنتيه الصغيرتين. يقول لصحيفة إيكوال تايمز : "الراتب الذي وعد به المُتاجر أمرٌ لا يُتوقع الحصول عليه في مصر، حتى مع العمل لمدة عام كامل" .

لكن سرعان ما تبددت آمال جورج ورفاقه في حياة أفضل عند وصولهم إلى موسكو في فبراير 2025. يقول جورج وقد بدا عليه الحزن الشديد: "لم نجد مصنعًا ولا عقد عمل. دفعتُ أكثر من 2000 دولار أمريكي لهذه الرحلة". ويضيف الشاب: "مع ذلك، تلقينا عرضًا غير متوقع: الانضمام إلى صفوف الجيش الروسي مقابل راتب قدره 3000 دولار أمريكي وجنسية روسية. فكرتُ لبعض الوقت في قبول العرض. لكن تحت ضغط زوجتي وأصدقائي، قررتُ أخيرًا العودة إلى مصر". اضطر جورج، وهو في حالة يرثى لها، إلى طلب المساعدة من أصدقائه وعائلته لدفع ثمن تذكرة عودته.

ظاهرة مثيرة للقلق

في السنوات الأخيرة، نجحت روسيا في جذب العديد من الطلاب العرب الطامحين إلى التعليم العالي، لا سيما في مجالات مرموقة كالطب والهندسة. أما في مصر، فتتميز هذه التخصصات بانتقائية عالية، إذ تشترط الحصول على معدل بكالوريوس يزيد عن 95%. ونظرًا لهذه المتطلبات الصارمة، يلجأ العديد من الشباب المصريين الذين يحلمون بأن يصبحوا أطباء أو مهندسين، لكنهم لا يحققون المعدلات المطلوبة، إلى خيارات بديلة في الخارج.

أصبحت روسيا وجهةً شهيرةً، إذ تُقدّم رسومًا دراسيةً معقولةً نسبيًا ومعايير قبولٍ أقل صرامة. ووفقًا لتقديراتٍ روسيةٍ لعام 2023، كان هناك بالفعل أكثر من 32 ألف طالبٍ من الشرق الأوسط في روسيا، نصفهم تقريبًا من المصريين.

لكن منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، تزايد تجنيد المواطنين العرب، وخاصةً الطلاب المسجلين في الجامعات الروسية، بشكل مثير للقلق. فبعد ثلاث سنوات من الصراع، يعاني جيش فلاديمير بوتين من نقص في الجنود. في يناير 2024، كتبت قناة " روسيا اليوم" الإخبارية الروسية الناطقة بالإنجليزية عن إحدى هذه الكتائب المتمركزة بالقرب من سوليدار، في منطقة دونيتسك، بعبارات إيجابية. ووفقًا للقناة الإخبارية الروسية، "يخدم هنا جنود من النيجر ومصر وسوريا ومولدوفا. لقد درسوا في روسيا، ونمّوا انتماءً قويًا للبلاد دفعهم إلى اختيار الدفاع عنها".

بعد عودته من مغامرته الفاشلة وإدراكه حجم التلاعب، بادر جورج بتحذير الضحايا الآخرين. يوضح قائلًا: "كان المُتاجر يُجهّز مجموعة جديدة من 25 شابًا من قريتي لهذه الرحلة. أبلغتهم بالخدعة حتى لا يُضطروا إلى تجربة نفس خيبة الأمل".

وقد ساهم في دعم قضيته نشر فيديو، في الوقت نفسه، أثار صدمةً في مصر. صوّر اليوتيوبر الأوكراني دميترو كاربينكو محمد رضوان، وهو شاب مصري من محافظة الأقصر، ألقت القوات الأوكرانية القبض عليه أثناء قتاله إلى جانب القوات الروسية. في الفيديو، يظهر رضوان بوجهٍ نحيل، مرتديًا زيّ سجين، ويتحدث عبر الهاتف مع والدته في صعيد مصر، التي صُدمت من المشهد. في الفيديو، تبكي الأم مرارًا: "لماذا فعلتَ ذلك؟"

قصة محمد تشبه قصص كثيرين غيره. وصل إلى روسيا عام 2021 لدراسة الطب، على أمل أن يُحسّن بعد دراسته الوضع الاقتصادي لعائلته، في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة في مصر.

تُلقي الحرب في أوكرانيا بظلالها على الاقتصاد المصري، إذ أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية. وشهد الجنيه المصري انخفاضًا حادًا خلال السنوات القليلة الماضية، حيث فقد نصف قيمته مقابل الدولار واليورو، مما أدى إلى تفاقم التضخم. وتضاعفت أسعار الضروريات الأساسية ثلاث مرات، وخاصة القمح، الذي كانت البلاد تستورده بشكل رئيسي من المناطق المتضررة من النزاع. وبينما لا تتوفر أرقام رسمية عن الفقر، فقد أشارت بيانات البنك الدولي الصادرة في مايو 2019 إلى أن حوالي 60% من المصريين إما يعيشون في فقر أو معرضون له.

"الفخ الروسي"

سرعان ما تحطم حلم محمد، وانقلبت حياته رأسًا على عقب عندما ألقت الشرطة الروسية القبض عليه بتهم تتعلق بالاتجار بالمخدرات. كان يواجه عقوبة بالسجن سبع سنوات، لكن السلطات الروسية عرضت عليه بديلًا لم يستطع رفضه: الانضمام إلى القوات المسلحة الروسية. ووفقًا لوالدته، التي نقلت عنها وسائل إعلام مصرية، كان محمد ضحية "فخ روسي".

تُظهر مقاطع فيديو نشرها اليوتيوبر الأوكراني نفسه مواطنين مصريين آخرين أُسروا في أوكرانيا بعد خدمتهم في الجيش الروسي. وصرح طالب طب من جامعة قازان في روسيا لصحيفة إيكوال تايمز: "لقد أُغرِيَ العديد من الطلاب العرب بعروض مغرية من الجيش الروسي". ويصف هذا الشاهد نظام تجنيد تتناوب فيه السلطات الروسية بين الحوافز المالية والتهديدات لتجنيد الشباب الأجانب.

أدت الأزمة الاقتصادية في مصر، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف المعيشة في روسيا، إلى صعوبة تغطية رسوم الدراسة ونفقاتها على العديد من الطلاب. منذ عام 2023، شدّدت روسيا القواعد، حيث اشترطت سداد الرسوم الدراسية كاملةً مع بداية العام الدراسي (بعد أن كانت تُدفع على أقساط على مدار العام).

تستجوب الشرطة الطلاب الذين يعانون من ضائقة مالية. ويوضح الطالب: "أولئك الذين لا يستطيعون الدفع يجدون أنفسهم مهددين بالاعتقال والترحيل من قبل الشرطة. ولإقناعهم [بالتجنيد]، تخبرهم الشرطة أنهم سيُعيَّنون في مناصب إدارية".

لكن وعد العمل الإداري كذبة. يوضح الشاب المصري: "يُرسل هؤلاء الشباب إلى معسكر تدريب أساسي لمدة ثلاثة أسابيع قبل إرسالهم إلى المعركة. فقدت صديقًا في انفجار، وجُرح آخر وأُعيد إلى الجبهة قبل أن يتعافى تمامًا". ويضيف: "أعرف طلابًا مغاربة وسوريين وأفارقة انضموا أيضًا إلى الجيش الروسي لإيمانهم بهذا العرض". وقد أكدت هذه المعلومات سلطات دول أخرى، مثل توغو، التي حذرت من هذه الشبكات بين أفريقيا وروسيا .

تيليجرام أو تيك توك.. منصات التوظيف الجديدة

تُستخدم أساليب التجنيد هذه أيضًا عبر الإنترنت. تشن موسكو حملةً على وسائل التواصل الاجتماعي. في أبريل، كشفت عدة وكالات إخبارية عن انضمام مواطنين صينيين إلى الجيش الروسي بعد تواصلٍ معهم عبر تطبيق تيك توك. وعلى تيليجرام، تحاول قناة " صديق روسيا" إقناع متابعيها الناطقين بالعربية بالانضمام إلى القوات الروسية، بنفس الوعود المالية المغرية.

بأكثر من 3700 مشترك، تصف قناة صادق روسيا نفسها بأنها قناة "تدعم جيش الاتحاد الروسي في مجال العمليات العسكرية الخاصة". وتهدف العروض التي تُبثّها القناة إلى جذب المجندين المحتملين، من خلال "مكافأة توقيع تتراوح بين 8000 و30000 دولار أمريكي، وإجازة مدفوعة الأجر بعد ستة أشهر من الخدمة، وجواز سفر روسي خلال ستة أشهر، والاندماج في ألوية النخبة". وتذهب القناة إلى حد عرض أرقام هواتف وعناوين مكاتب التجنيد.

تدعم الحملة محتوىً إعلاميًا متعدد الوسائط. تنشر القناة بانتظام مقاطع فيديو وصورًا تُظهر أفرادًا من المغرب ومصر ودول عربية أخرى، يُزعم أنهم وقّعوا عقودًا مع الجيش الروسي "لمحاربة النازية"، على حدّ قول القناة. تُظهر بعض المقاطع مرتزقة يخاطبون مواطنيهم، ويشجعونهم على الاقتداء بهم.

أصبحت فكرة استدراج القوات الأجنبية ظاهرة شائعة. روسيا ليست وحدها. هناك أيضًا أجانب يقاتلون لصالح أوكرانيا، من بولندا والولايات المتحدة ودول أخرى، وفقًا لنورهان الشيخ، أستاذة العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، لصحيفة إيكوال تايمز .

وتشير أيضًا إلى أن الحوافز المالية ووعد الحصول على الجنسية الروسية هي عوامل جذب لها تأثير أكبر عندما تستهدف بشكل متعمد الفئات الضعيفة اقتصاديًا.

لمواجهة هذه الحملة لتجنيد المصريين، قررت حكومة القاهرة في نهاية فبراير اشتراط الحصول على موافقة أمنية مسبقة لأي سفر لمواطنيها إلى روسيا. كما أعلنت وزارة الداخلية سحب الجنسية المصرية من أي شخص ينضم إلى القوات الروسية، بمن فيهم محمد رضوان وآخرون.

ويوضح الشيخ أن "الدولة اضطرت إلى التدخل سريعاً للتحقق من هوية المسافرين وسبب توجههم إلى روسيا"، مسلطاً الضوء على قلق السلطات المصرية إزاء تدفق المقاتلين المحتملين.

المصادر

إيكوال تايمز

التعليقات (0)