-
℃ 11 تركيا
-
19 يونيو 2025
3 عوامل ستحدد مستقبل إيران النووي.. منشأة فوردو مجرد واحدة منها
3 عوامل ستحدد مستقبل إيران النووي.. منشأة فوردو مجرد واحدة منها
-
19 يونيو 2025, 9:53:45 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
* هيذر ويليامز - CSIS
حتى الآن، كانت الضربات الإسرائيلية على منشأة فوردو النووية الإيرانية محدودة. ومن النظرة الأولى، قد يبدو هذا إغفالًا غريبًا، نظرًا لأن مبرر إسرائيل لهذه الضربات كان: "إذا لم يتم إيقاف إيران، يمكنها إنتاج سلاح نووي في وقت قصير جدًا... قد يكون عامًا، وقد يكون خلال بضعة أشهر".
لطالما اعتُبرت فوردو عنصرًا حاسمًا في بنية إيران النووية، إذ تُستخدم كموقع لتخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وهي نسبة تتجاوز بكثير ما يُطلب لأغراض مدنية. ومن المحتمل أن تكون هناك هجمات إضافية على فوردو، وربما بدعم أمريكي، في المستقبل القريب.
لكن نجاح تلك الهجمات ليس سوى عامل من عدة عوامل ستحدد مستقبل إيران النووي. فعلى الرغم من أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أشار مؤخرًا إلى استعداد إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات النووية ("إيران لم تغادر طاولة التفاوض أبدًا")، وأشارت إدارة ترامب إلى أنها ما زالت تسعى للحوار، إلا أن احتمال التوصل إلى حل بخصوص برنامج إيران النووي يبدو قاتمًا. نقطة الخلاف الأساسية في المفاوضات السابقة كانت حول ما إذا كان يُسمح لإيران بالاستمرار في تخصيب اليورانيوم. ويبدو أن الأزمة الحالية لم تغيّر موقف أي من الطرفين بشأن هذه المسألة الحاسمة؛ بل قد تدفعهما إلى التشبث أكثر بمواقفهما.
وضع منشأة فوردو
تُعد فوردو مركزية في الأنشطة النووية الإيرانية. فهي مدفونة عميقًا تحت الأرض داخل جبل، وتتمثل وظيفتها الأساسية في تخصيب اليورانيوم باستخدام 6 سلاسل من أجهزة الطرد المركزي القديمة من طراز IR-1، إلى جانب 10 سلاسل من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة من طراز IR-6. وبموجب خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، مُنعت إيران من التخصيب في فوردو؛ ومع ذلك، وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، استأنفت إيران أنشطة التخصيب في المنشأة عام 2018 وكانت تنتج يورانيوم مخصب بنسبة 60%.
وضع منشأة فوردو حاليًا، أو عقب أي ضربات إضافية، سيكون أساسيًا لمستقبل إيران النووي، إذ يُعتقد أنها المنشأة القادرة على رفع نسبة التخصيب من 60% إلى 90%، وهي النسبة اللازمة لصناعة اليورانيوم المستخدم في الأسلحة النووية.
ومن دواعي القلق الخاصة أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية جمعت في مارس 2023 عينات من فوردو أظهرت تخصيب اليورانيوم بنسبة 83.7%؛ غير أن ذلك لم يتم تأكيده رسميًا. وهناك قلق آخر هو أن فوردو قد تكون من بين المواقع التي تخزن فيها إيران اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، أو التي يمكن نقل المخزون إليها. ويُعتقد أن جزءًا من مخزون إيران يُخزَّن في أصفهان، لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تكشف عن الموقع الكامل.
ويُعتقد أن فوردو تقع على عمق يتراوح بين 80 و110 أمتار تحت الأرض، قرب مدينة قم، وقد بُنيت لتحمّل الضربات الجوية. وتشير التقديرات إلى أن إسرائيل ستحتاج إما إلى دعم أمريكي لتدمير المنشأة أو إلى تنفيذ ضربات جوية متكررة. يمكن أن يشمل الدعم الأمريكي قنبلة GBU-57 الخارقة للتحصينات، وهي قنبلة تزن 30,000 رطل وتحملها قاذفات B-2. وقد تحاول إسرائيل تدمير المنشأة من خلال موجات متعددة من الأسلحة خفيفة الحمولة. لكن لا يضمن أي من هذين الخيارين تدمير فوردو بالكامل، وقد يتطلب الأمر ذخائر أقوى أو ضربات متواصلة. بالإضافة إلى ذلك، قد تلجأ إسرائيل إلى وسائل غير تقليدية في محاولتها تدمير فوردو، مثل الهجمات السيبرانية المشابهة لهجوم ستاكسنت عام 2010، أو وسائل تخريبية أخرى.
ما إذا كانت إيران ستواصل برنامجها النووي يعتمد على ما تبقّى من بنيتها التحتية السابقة، نظرًا إلى أن منشأة نطنز قد تم تدميرها، بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالإضافة إلى تضرر منشآت أخرى مثل أصفهان وأراك. وسيكون وضع فوردو، والذي سيُحسم على الأرجح خلال الأيام والأسابيع القادمة، حاسمًا في هذا السياق.
حالة الانتشار النووي لإيران ووضعها ضمن معاهدة عدم الانتشار
قبل يوم واحد من الضربات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية – وهي المسؤولة عن مراقبة امتثال الدول لالتزاماتها في مجال عدم الانتشار – أن إيران انتهكت التزاماتها للمرة الأولى منذ عام 2005. وشملت المخاوف المحددة وجود آثار يورانيوم في مواقع غير معلنة لم تتمكن إيران من تفسيرها. وبحسب الوكالة، فإن إيران قد خزّنت أكثر من 400 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، ووفقًا للجنرال مايكل كوريلا من القيادة المركزية الأمريكية، "فإن التقديرات تشير إلى أن مخزونها الحالي وأجهزة الطرد المركزي المتوفرة في عدة منشآت تخصيب تكفي لإنتاج أول 25 كغم من مادة تصلح للسلاح خلال أسبوع تقريبًا، وكمية تكفي لإنتاج حتى عشرة أسلحة نووية خلال ثلاثة أسابيع".
وقد قابلت وزارة الخارجية الإيرانية ومنظمة الطاقة الذرية الإيرانية هذه النتائج بتحدٍّ، مشيرين إلى أن الوكالة تفتقر للأساس القانوني، وأعلنوا أنهم سيبنون منشآت جديدة أكثر أمانًا وسيُدخلون أجهزة طرد مركزي متقدمة من الجيل السادس في فوردو. وقد تزامن هذا الإعلان مع الموعد النهائي الذي حدده الرئيس ترامب للتوصل إلى اتفاق في المفاوضات النووية الجارية، ما يشير إلى أن الأنشطة النووية الإيرانية ستستمر دون رادع.
لا يزال هناك جدل قائم حول ما إذا كانت إيران تمتلك برنامجًا فعّالًا للأسلحة النووية، بما في ذلك بين مسؤولي إدارة ترامب. يتطلب السلاح النووي مادة انشطارية مثل اليورانيوم عالي التخصيب، وهي مادة كانت إيران لا تكتفي بتطويرها بل وتخزينها أيضًا لمزيد من التخصيب. كما يتطلب السلاح وسيلة إيصال، مثل صواريخ شهاب-3 الباليستية، المستندة إلى تصميم كوري شمالي، أو صواريخ كروز مثل "سومار"، والمستمدة من الصاروخ الروسي القادر على حمل رؤوس نووية "KH-55". والعنصر الأخير هو المعرفة التقنية، بما في ذلك تقنيات التسليح وتحويل المادة الانشطارية إلى قنبلة وربط الرأس الحربي بوسيلة الإيصال. هناك أدلة وافرة على أن إيران عملت على تقنيات التسليح، مثل مشغلات النيوترونات واختبارات الضغط العالي المتفجر، حتى عام 2003. لكن ما هو أقل وضوحًا هو ما إذا كانت إيران قد استمرت في هذه الأنشطة، وما إذا كان بحثها حتى عام 2003 كافيًا للتسليح في مرحلة لاحقة. ويقدّر بعض المحللين، مثل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن بعض هذه القدرات "جاهزة على الأرجح".
وفي خبر لم يحظَ بتغطية كافية، أُفيد في 16 يونيو بأن البرلمان الإيراني يُعد مشروع قانون للانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT). ويتطلب الانسحاب إشعارًا لمدة 90 يومًا ويمكن تفعيله بموجب المادة العاشرة من المعاهدة ردًا على "أحداث استثنائية". وبحسب متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية: "في ضوء التطورات الأخيرة، سنتخذ قرارًا مناسبًا. الحكومة ملزمة بتنفيذ قوانين البرلمان، لكن هذا الاقتراح لا يزال في طور الإعداد وسننسق لاحقًا مع البرلمان". وسيكون انسحاب إيران من معاهدة عدم الانتشار إشارة واضحة وحاسمة نحو سعيها لامتلاك سلاح نووي، في تناقض مع موقفها السابق الذي كانت تتبنى فيه ما يسمى بسياسة "التحوّط" في ظل فتوى أصدرها آية الله عام 2005 تُحرّم إنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة النووية، وهي فتوى اعتبرها كثير من الخبراء غير قابلة للتراجع حتى مع تغير الظروف الأمنية لإيران.
كما أن انسحاب إيران من المعاهدة سيكون ضربة قوية للنظام النووي العالمي وللأعراف المناهضة للانتشار. فالمعاهدة تمثل حجر الأساس لهذا النظام، الذي يواجه بالفعل واحدة من أكبر أزماته منذ عقود. وهي تستند إلى "صفقة كبرى" تقضي بأن تمتنع الأغلبية الساحقة من الدول عن السعي إلى امتلاك أسلحة نووية، مقابل أن تتخذ الدول الخمس المالكة (الصين، فرنسا، روسيا، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة) خطوات نحو "نزع السلاح الكامل والشامل" وتوفير الوصول إلى التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية. وقد شكّل البرنامج النووي الإيراني تحديات عديدة لهذه المعاهدة، إذ أصرّت طهران على حقها في التخصيب لأغراض سلمية، لكنها شاركت في أنشطة لها تداعيات عسكرية واضحة. ويمكن أن يؤدي انسحاب إيران من المعاهدة إلى سلسلة من عمليات الانتشار النووي، ويُنهي علاقتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أشار خبراء نوويون مثل جيمي كوانغ ونيكول غراييفسكي في تحليل حديث حول مخاطر انسحاب إيران من معاهدة عدم الانتشار.
أصدقاء إيران
في تقرير مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الصادر في 12 يونيو، وُجد أن إيران انتهكت التزاماتها بموجب المعاهدة؛ ومع ذلك، صوّتت ثلاث دول ضد هذا الاستنتاج، من بينها روسيا والصين. وتُعد إيران جزءًا من محور من الدول المعتدية، يضم روسيا، الصين، وكوريا الشمالية، التي كانت تختبر النظام الدولي منذ سنوات وتزداد تعاونًا فيما بينها في الشؤون النووية. على سبيل المثال، في عام 2023، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أفراد وكيانات صينية بسبب "إجرائهم معاملات مالية وتسهيلهم شراء أجزاء وتكنولوجيا حساسة وحيوية لجهات رئيسية في برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني". وفي يناير 2025، وقعت إيران وروسيا معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وتشير تقارير استخباراتية من عام 2022 إلى أن إيران طلبت من روسيا مساعدتها في برنامجها النووي، لا سيما في الحصول على مواد نووية إضافية قد تقلل من المدة اللازمة لصناعة سلاح نووي. وفي تقرير آخر صدر في يناير 2025، تبيّن أن إيران تبني صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية باستخدام تصاميم وفّرتها كوريا الشمالية.
سيتشكّل مستقبل البرنامج النووي الإيراني بشكل خاص بفعل ردود موسكو وبكين، سواء على المستوى التقني أو السياسي. فعلى الصعيد التقني، قد تساعدان إيران إذا قررت إعادة بناء بنيتها النووية بعد الضربات الإسرائيلية. وقد قدّمت الصين وروسيا تاريخيًا تدريبًا ودعمًا لخبراء إيران النوويين، حيث زوّدت الصين إيران بمفاعلات صغيرة في التسعينيات، وأكملت روسيا بناء وتشغيل مفاعل بوشهر. وبالنظر إلى مدى البرنامج النووي الإيراني واستنتاجات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن مثل هذا الدعم سيكون انتهاكًا صارخًا لنظام عدم الانتشار، وسيضع محور روسيا – الصين – إيران – كوريا الشمالية في مواجهة مع المجتمع الدولي الأوسع، الذي لا يزال يعارض الانتشار النووي.
لكن موسكو وبكين قد توفران أيضًا غطاءً سياسيًا ودبلوماسيًا لطموحات إيران النووية، كما يتضح من تصويتهما ضد تقرير مجلس محافظي الوكالة. يعمل النظام النووي العالمي، بما في ذلك معاهدة عدم الانتشار، على أساس التوافق؛ لذلك، وبالنظر إلى امتلاك روسيا والصين حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، يمكن لهما تعطيل محاولات الضغط الدبلوماسي متعدد الأطراف على طهران. وحتى الآن، ركزت ردود موسكو وبكين على التأكيد على ضرورة خفض التصعيد، لكن إذا استمرت الضربات الإسرائيلية وغيّر ترامب موقفه ليقدم دعمًا أمريكيًا، فقد تتحول المنطقة إلى ساحة مواجهة بين قوى كبرى.
* هيذر ويليامز هي مديرة مشروع قضايا الأسلحة النووية وزميلة أولى في قسم الدفاع والأمن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIC في واشنطن العاصمة.









