-
℃ 11 تركيا
-
12 يونيو 2025
هدنة "عن بعد".. هل تُنقذ الوساطة الأمريكية مفاوضات غزة؟
مراوحة تفاوضية رغم تلميحات إسرائيلية
هدنة "عن بعد".. هل تُنقذ الوساطة الأمريكية مفاوضات غزة؟
-
4 يونيو 2025, 1:27:01 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
رغم تواصل المحادثات غير المباشرة بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي، ورغم تلميحات صادرة عن تل أبيب بإمكانية التوصل إلى اتفاق، لا تزال مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة تراوح مكانها. المشهد يبدو وكأنه يخطو إلى الأمام خطوة واحدة، ليعود خطوتين إلى الوراء، وسط تبادل للاتهامات، وفجوات تفاوضية عميقة، وضغوط أمريكية ثقيلة تفتقر إلى الحياد.
وبينما تشير وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن "المفاوضات لم تنهَر بعد"، فإن اتساع الفجوة في المواقف، خاصة بشأن شرط إنهاء الحرب، يثير تساؤلات جدية حول جدوى الوساطة، وما إذا كانت الإدارة الأمريكية قادرة فعلاً على كسر الجمود دون أن تتحول إلى غطاء لمطالب إسرائيلية تعجيزية.
حماس: مرونة مشروطة وضمانات غائبة
تصرّ حركة حماس على أن موقفها من مقترح المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف ليس رفضًا، بل هو ردٌ تفاوضي ينطوي على مطالب مشروعة، أبرزها ضمان وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب شامل لقوات الاحتلال، وضمانات أمريكية صريحة تلتزم بتحقيق هذه البنود. كما طرحت الحركة فكرة التمهيد لاتفاق شامل من خلال هدنة أولية مدتها 60 يومًا.
القيادي في الحركة، باسم نعيم، أكد أن المقترح الأمريكي قُبِل كأرضية تفاوضية، لا كاتفاق نهائي. أما القيادي طاهر النونو، فأوضح أن الحركة وافقت مبدئيًا على إطلاق سراح عشرة أسرى إسرائيليين، لكن الخلاف يتمحور حول توقيت الإفراج، وآلية التنفيذ، والتزام إسرائيل بمحددات الهدنة.
بعبارة أوضح، تقدم حماس خطابًا تفاوضيًا مرنًا، لكنه محكوم بتجربة دموية طويلة، تخشى خلالها من الانزلاق إلى اتفاق هش يُجهض لاحقًا تحت ضغط الميدان أو تبدّل المواقف الأمريكية.
إسرائيل: تكتيك المماطلة وضغط الداخل
في المقابل، تعتمد إسرائيل استراتيجية تقوم على الرفض غير المعلن والموافقة المشروطة، حيث أعلنت رسميًا قبولها لخطة ويتكوف، لكنها امتنعت عن إرسال وفد تفاوضي إلى الدوحة بعد أن اعتبرت رد حماس غير متطابق مع المبادرة. هذا التناقض يعبّر عن تكتيك تفاوضي مألوف في السياسة الإسرائيلية: قبول مشروط يُحمّل الطرف الآخر مسؤولية الإخفاق، ويخفف من ضغط المعارضة الداخلية.
فعليًا، يحرص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تفادي أي اتفاق يُنظر إليه كتنازل، خشية من تصعيد اليمين المتطرف ضده، وخاصة أنه يواجه أزمة سياسية وقانونية مزدوجة. وبذلك، يلعب نتنياهو بورقة الأسرى كأداة للنجاة السياسية، أكثر من كونها هدفًا إنسانيًا أو أمنيًا.
لكن هذا التكتيك بدأ ينعكس سلبًا على الداخل الإسرائيلي، حيث تتزايد الضغوط من عائلات الأسرى، ومطالب بإنهاء الحرب التي فشلت حتى الآن في تحقيق "الردع" أو "تدمير حماس"، في ظل استمرار العمليات الفدائية في غزة والضفة الغربية، واستنزاف الجيش الإسرائيلي في حرب استمرت لما يقارب تسعة أشهر.
الوساطة الأمريكية: بين الانحياز والكفاءة
تسعى الولايات المتحدة، من خلال مبعوثها ستيف ويتكوف، إلى لعب دور المايسترو في إدارة المفاوضات، لكن هذا الدور محكوم بميزان دقيق بين التزامها السياسي بإسرائيل، وضغوط الواقع الإنساني والدولي الذي يتطلب التوصل إلى تهدئة. ورغم أن الأمريكيين أقرّوا بأن رد حماس "غير مقبول"، فإنهم يصرون على مواصلة الضغط الدبلوماسي لتقريب وجهات النظر، عبر وسطاء مثل بشارة بحبح، رجل الأعمال الفلسطيني الأمريكي الذي يتحرك بين الدوحة وواشنطن.
ويرى مراقبون أن الخطة الأمريكية لا تمثل "وساطة" حقيقية، بل إعادة تدوير للمطالب الإسرائيلية بنسبة تفوق 90%. ومع ذلك، فإن هامش التحرك الأمريكي يكمن في قدرته على فرض صيغة تهدئة على الطرفين، من خلال تقديم ضمانات صامتة لحماس، وتخفيف الضغط عن إسرائيل من بوابة "المساعدات الإنسانية" أو "وقف مؤقت للعمليات العسكرية".
أدوار قطر ومصر: مرونة محفوفة بالعقبات
تُشكل كل من قطر ومصر عماد الوساطة الإقليمية، حيث تسعى الدوحة للحفاظ على نفوذها عبر احتضان قيادات حماس، بينما تضغط القاهرة من بوابة معبر رفح ومخاوفها الأمنية من التهجير القسري جنوب القطاع.
لكن فعالية الوساطة تبقى محدودة أمام تصلب إسرائيل، وتردد واشنطن في ممارسة ضغوط حقيقية على تل أبيب، خاصة أن الأخيرة أضعفت نفوذ مصر عبر السيطرة على معبر رفح، وسعت إلى تعويض ذلك بإدخال مساعدات مشروطة من خلال "مؤسسة غزة للإغاثة"، وهو مخطط مرفوض أمميًا ويهدف إلى الالتفاف على أي دور في إدارة المساعدات بغرض إحكام مخطط التجويع والتهجير.
ضغط الداخل الإسرائيلي: أزمة شرعية سياسية
على الجبهة الداخلية، يواجه نتنياهو مأزقًا متزايدًا. فتكرار المجازر، وفشل إخراج الأسرى، وتصاعد الانتقادات داخل الجيش والأوساط الأمنية، كلها عوامل تهدد استقرار حكومته. وحتى داخل اليمين، بدأت أصوات تطالب بصفقة شاملة تُعيد الأسرى، ولو بثمن سياسي، ما يعكس شروخًا في الجبهة السياسية التي دعمت الحرب بداية.
كما أن إدارة نتنياهو للملف الإنساني أصبحت عبئًا استراتيجيًا، بعدما تحولت المساعدات إلى أداة قتل، كما حدث في رفح حين سقط عشرات المدنيين برصاص الاحتلال عند نقاط توزيع الأغذية. هذه المجازر، إلى جانب ضغط الرأي العام العالمي، تضعف الموقف الإسرائيلي تفاوضيًا، حتى وإن حاولت إسرائيل تصوير حماس كمُعرقل رئيسي.
فشل الاتفاق: المخاطر والسيناريوهات
في حال فشل التوصل إلى اتفاق، ستدخل الحرب مرحلة استنزاف إقليمي أعمق، وقد تتوسع دائرة الانفجار إلى لبنان أو الضفة الغربية. أما في غزة، فسيواصل الاحتلال حربه بلا أهداف واضحة، وسط كارثة إنسانية تهدد وجود 2.4 مليون إنسان بالجوع والمرض والتهجير، وهو ما يُمهّد، بحسب الأمم المتحدة، لجرائم ترحيل قسري و"تطهير عرقي ببطء".
أما سياسيًا، فإن أي فشل سيُعزز مكانة حماس كفاعل لا يمكن تجاهله، وسيمنحها أداة تفاوضية جديدة: ربط الإفراج عن الأسرى بوقف الحرب نهائيًا، وليس بصفقة جزئية. ومن جانب آخر، فإن استمرار القصف قد يفكك ما تبقى من أدوات الوساطة، ويحوّل القضية إلى صراع مفتوح لا يمكن احتواؤه عبر "التهدئة".
وسط التناقض بين الخطاب الإنساني والواقع الميداني، تسير مفاوضات غزة على حبل مشدود بين الرغبة في التهدئة وضغوط الاستمرار في الحرب. ورغم التصريحات المتفائلة أحيانًا، فإن الواقع يشير إلى أن المقترح الأمريكي يعاني من اختلال توازن، وأن الأطراف الوسيطة – رغم صدقيتها – تبدو غير قادرة على كبح جماح إسرائيل أو تأمين ضمانات كافية لحماس.
وهكذا، تبقى معادلة "وقف إطلاق النار مقابل الإفراج عن الأسرى" رهينة التجاذبات، في انتظار متغير كبير – سياسي أو ميداني – يعيد رسم خطوط التفاوض ويمنح فرصة أخيرة للسلام لاسيما مع تحول القطاع إلى جحيم مفتوح بلا نهاية.










