-
℃ 11 تركيا
-
13 يونيو 2025
واشنطن تبلور ضمانات لصفقة غزة.. ضغوط ثقيلة على حماس وتل أبيب
واشنطن تبلور ضمانات لصفقة غزة.. ضغوط ثقيلة على حماس وتل أبيب
-
28 مايو 2025, 1:30:16 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف (رويترز)
متابعة: عمرو المصري
تخوض الإدارة الأميركية حراكًا غير تقليدي في سياق ملف المفاوضات بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي، مدفوعة برغبة واضحة في إنهاء الحرب المشتعلة على قطاع غزة منذ 600 يوم. وفيما بدا أنه تجاوز لنمط الوساطة التقليدية، تبلور واشنطن حاليًا مقترحًا جديدًا لصفقة تبادل، وسط ضغوط متصاعدة تمارسها على الطرفين. صحيفة "هآرتس" نقلت عن مصادر مطلعة أن المبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف اجتمع مع مسؤولين إسرائيليين في روما، وأبلغهم برسالة صريحة: "لا بد من إنهاء الحرب". أما صحيفة "يسرائيل هيوم"، فكشفت عن بلورة أميركية لاتفاق يتم طرحه خلال أيام، يتضمن شقين: وقف النار، وتبادل الأسرى.
لا تقتصر الضغوط على التصريحات السياسية، بل امتدت إلى رسائل مباشرة لنتنياهو تفيد بأن استمرار القتال يعرض الأسرى الإسرائيليين للخطر. بل إن مبعوثي البيت الأبيض بدأوا ينسّقون تسريبات إعلامية بهدف دفع الجمهور الإسرائيلي للضغط على حكومته، وهي استراتيجية غير معتادة في إدارة ملف حساس مثل ملف الأسرى.
الضمانات المقترحة: مشاركة حماس ومنع الاغتيالات
من أبرز ما تم تسريبه عن المسار الأميركي، وجود تصور يتضمن ضمانات لحماس تشمل إشراكها مستقبليًا في إدارة غزة بعد وقف النار، مع توفير حصانة لقادتها من عمليات الاغتيال الإسرائيلية، وهي عناصر كانت، ولا تزال، تمثل مطالب أساسية للحركة. وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن المقترح يضمن وقفًا لإطلاق النار يمتد من 60 إلى 70 يومًا، يُفرج خلاله عن نصف الأسرى الإسرائيليين الأحياء، ويعاد جثامين بعض القتلى، مقابل مفاوضات مباشرة على شروط وقف دائم للحرب.
هذا التحول في شكل المفاوضات، من وساطة غير مباشرة إلى تفاوض مع الأميركيين أنفسهم، يؤشر إلى مسار جديد لم تعهده حماس من قبل، وهو ما يتطلب حذرًا كبيرًا، خصوصًا أن إدارة ترامب، رغم كل ضغطها المعلن، لا تزال مترددة في رسم نهاية واضحة للحرب، وتفتقر إلى استراتيجية طويلة الأمد لما يُعرف بـ"اليوم التالي لغزة".
نتنياهو بين الضغط الأميركي وحساباته السياسية
في تل أبيب، لا يبدو أن الموقف موحد تجاه المقترح الأميركي. فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يواجه ضغوطًا من الشارع وعائلات الأسرى، إضافة إلى تحديات قانونية داخلية، يواصل إرسال إشارات متناقضة. ففي الوقت الذي لمّح فيه إلى احتمالية حدوث تقدم، عاد ونفى صدور أي موافقة رسمية، فيما وصف "المقترح" بأنه صياغة حماس، رغم أنه نتيجة تفاوض أميركي مباشر.
هذا الانقسام يتجلى بوضوح داخل الحكومة الإسرائيلية، التي تخشى أن يؤدي أي اتفاق لا يتضمن إخضاع حماس بالكامل إلى انفراط عقد الائتلاف اليميني المتطرف. ويضاف إلى ذلك، التباين بين وزارات الجيش والخارجية والمخابرات حول جدوى الصفقة، في ظل تسريبات عن عزم الحكومة استدعاء نحو 450 ألف جندي احتياط في إطار التحضير لهجوم بري واسع ضمن عملية "عربات جدعون".
الخوف الأكبر في الأوساط الإسرائيلية لا يتعلق فقط بمضمون الصفقة، بل بالانطباع السياسي الذي ستخلفه: هل ستحقق إسرائيل مكاسبها كاملة؟ أم أنها ستُجبر على القبول بشروط تضمن بقاء حماس في المعادلة؟
موقف حماس: مرونة مشروطة وضمانات مطلوبة
في المقابل، أبدت حركة حماس، وفق ما نُقل عن مسؤولين فيها، مرونة غير معهودة. وافقت الحركة على تعديل مقترح أميركي، يتضمن إطلاق سراح 10 أسرى إسرائيليين على دفعتين، مقابل وقف لإطلاق النار يُفترض أن يمتد خلال مفاوضات بشأن اتفاق دائم. الحركة اشترطت ضمانات لعدم استئناف الحرب بعد تسلّم إسرائيل لأسرى أحياء، وهو ما شكل نقطة ارتكاز رئيسية في موقفها التفاوضي.
عضو المكتب السياسي للحركة، باسم نعيم، أكد في تصريح صحفي أن حماس لم تتلقّ جديدًا من الوفد الإسرائيلي، وأن الحركة لا تزال مستعدة لتسليم إدارة غزة لأي جسم فلسطيني توافقي، شريطة وقف الحرب وإنهاء الحصار. كما حذّر من استمرار العقوبات الجماعية ومنع إدخال المساعدات، لما لذلك من أثر مباشر في إفشال أي مسار سياسي.
المثير في تطورات المفاوضات، هو ما كشفته قناة الأقصى عن موافقة حماس على مقترح المبعوث الأميركي ويتكوف، في حين نقل الإعلام الإسرائيلي أن المقترح الذي وافقت عليه حماس لا يتطابق مع نسخة إسرائيل. هذه الازدواجية فتحت باب التشكيك مجددًا في جدية الأطراف وفي قدرة الأميركيين على ضبط المسار.
سيناريوهات قريبة: اتفاق جزئي أم حرب مفتوحة؟
رغم الزخم الإعلامي حول الاقتراب من اتفاق، إلا أن السيناريوهات لا تزال مفتوحة على احتمالات متضاربة. فالتحشيد العسكري الإسرائيلي لا يوحي بنية جادة لإنهاء القتال، بل ربما يشير إلى تصعيد وشيك في حال فشلت الصفقة. في المقابل، لا تبدو الإدارة الأميركية متماسكة في موقفها، خصوصًا مع وجود تباينات داخل فريق ترامب نفسه حول أولوية الملف الفلسطيني مقارنة بالملف النووي الإيراني أو العلاقات مع السعودية.
من المحتمل أن تفضي الضغوط الحالية إلى اتفاق جزئي، يفضي إلى وقف مؤقت لإطلاق النار، يسمح بإطلاق عدد من الأسرى وتدفق محدود للمساعدات، في ظل احتفاظ الطرفين بمواقفهما المعلنة. لكن هذا السيناريو يبقى محفوفًا بالمخاطر، ما لم يتضمن ضمانات مكتوبة وملزمة تحول دون استئناف الحرب.
السيناريو الآخر، وهو المرجّح وفق مسار الأحداث، أن تُجهض المبادرة في لحظة ما، تحت ضغط الحكومة الإسرائيلية أو بفعل اختلال الثقة بين الأطراف، لتستمر الحرب بشراستها الحالية، مع بقاء إدارة ترامب في مربع التردد، واكتفائها بتخفيف صورة المجازر بدلاً من وقفها فعليًا.
مفاوضات على حافة الدم
ما يجري بين واشنطن، تل أبيب، وحماس، ليس مجرد مفاوضات تقليدية، بل عملية معقدة على حافة المجازر والدمار. الأميركيون يفاوضون في الوقت الذي لا تزال فيه طائراتهم تزوّد الاحتلال بالقنابل. وإسرائيل تواصل عدوانها وتلوّح باجتياح جديد. أما حماس، فتحاول أن توازن بين وقف الإبادة والحفاظ على منجزها الاستراتيجي.
وسط هذا كله، يبقى المشهد رهينة التوازنات الداخلية للأطراف الثلاثة، ومرهونًا بقدرة واشنطن على ترجمة أقوالها إلى أفعال، وهو ما لم يحدث بعد. صفقة غزة، إن حدثت، ستكون أكبر اختبار سياسي للمنطقة منذ بدء الحرب، وأي إخفاق فيها قد يفتح الباب على سيناريوهات أكثر دموية وتعقيدًا.
.jpeg)






