-
℃ 11 تركيا
-
3 أغسطس 2025
مجزرة ويتكوف: حين تتحول “الآلية الإنسانية” الأمريكية إلى فخ للموت الجماعي
مجزرة ويتكوف: حين تتحول “الآلية الإنسانية” الأمريكية إلى فخ للموت الجماعي
-
1 يونيو 2025, 10:02:05 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
لم تكن مجزرة اليوم في رفح، والتي ذهب ضحيتها أكثر من ثلاثين شهيدًا ومئات الجرحى، مفاجِئة أو عرضية. لقد جاءت في سياق سياسة ممنهجة تُمارس منذ شهور، قوامها الحصار والتجويع والترويع، وتغلفها دعاية إنسانية أمريكية–إسرائيلية كاذبة، لم يعد أحد يصدقها سوى صانعيها. ففي فجر يوم الأحد، توجّه آلاف الفلسطينيين الجوعى، تحت وطأة المجاعة الممنهجة، إلى نقطة توزيع مساعدات في حي تل السلطان غرب رفح، ظنًا منهم أن المساعدات التي أعلنت عنها المؤسسة الأمريكية الإسرائيلية "غزة للإغاثة الإنسانية" قد توفر ما يسد الرمق أو ينقذ أطفالهم من الهلاك.
لكن بدلًا من طرود الإغاثة، وجد المنتظرون أنفسهم في مرمى نيران طائرات "كوادكابتر" المسيّرة، قبل أن تتبعها قذائف مدفعية عشوائية حصدت الأرواح كما تحصد الريح زرعًا هشًا. سقط العشرات ما بين شهيد وجريح، في مشهد يتكرر للمرة الرابعة خلال أسبوع، بينما لا تزال واشنطن تتحدث عن "آلية إنسانية بديلة" وكأن غزة مختبر لتجريب الموت بأساليب جديدة.
الآلية الأمريكية: القتل من الخلف باسم المساعدات
ما تسمى بـ"الآلية الأمريكية لتوزيع المساعدات" لم تُنشأ لإنقاذ أرواح المدنيين، بل لتوظيف الجوع كسلاح إبادة. هكذا يقول المشهد على الأرض وهكذا تشير شهادات الناجين والمراقبين الدوليين. فبدلًا من إشراف أممي أو تنسيق مع منظمات إنسانية محايدة، تتولى قوات الاحتلال، مدعومة بعناصر من شركة أمنية أمريكية، عملية توزيع المساعدات في مناطق عسكرية عازلة، تفتقر لأدنى شروط السلامة، وتُدار دون أي نظام عادل أو شفاف.
الشهادات الميدانية تكشف فخًا محكمًا: يُطلب من المدنيين الجوعى التجمهر فجرا قرب "الحلابات" (بوابات التفتيش)، وتُطلق طائرات الاحتلال رسائل عبر مكبرات الصوت تحذر من الاقتراب قبل السادسة صباحًا، ثم ما تلبث أن تفتح النار عليهم إنْ تجاوز أحدهم الخط المرسوم. ومن ينجو من الرصاص لا يجد سوى طرود قليلة تكاد تُحدث فتنة بين الجموع اليائسة. هذه ليست إغاثة، بل هندسة للموت وتجريب للذل.
رفح تحترق.. وواشنطن تصمت
لم يكن الموقع المستهدف اليوم سوى واحدًا من عدة مواقع تحوّلت إلى ساحات قتل جماعي بغطاء إنساني. ومع تكرار المجازر في مواقع توزيع المساعدات، يتضح أن الأمر ليس خطأ في "الآلية"، بل جوهر في التصميم. لقد أدرك الفلسطينيون أن رفح باتت تحترق تحت نيران أميركية التمويل، إسرائيلية التنفيذ. أما واشنطن، التي تفاخر بدورها في إيصال المساعدات، فتمضي في صمتٍ مريب، لا تصدر حتى بيانات "قلق" شكلية، وكأن شيئًا لم يكن.
وفق المرصد الأورومتوسطي، فإن آلية توزيع المساعدات تحوّلت إلى "مراكز إعدام ميداني"، فيما يجري تحشيد عشرات الآلاف من الجوعى حول كميات محدودة تُلقى في قلب منطقة ملغومة، دون ترتيب أو حماية، ثم يُترك الجوعى لتصارعهم نيران الاحتلال وتدافع الجموع. هذه ليست مجرد جريمة حرب، بل سادية ممنهجة تستهدف إفراغ غزة من أهلها، عبر دفعهم نحو الفوضى ثم قتلهم على أبواب الإغاثة.
الإبادة بصمت دولي.. والموت تحت اسم "ويتكوف"
هذه المجازر، وعلى رأسها مجزرة اليوم في رفح، والتي يجب أن تُعرف منذ اليوم بـ"مجزرة ويتكوف"، نسبة إلى المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف الذي لا يتورع عن خدمة أهداف الاحتلال في إبادة غزة وتهجيرها، ليست مجرد نتائج جانبية لحرب طاحنة، بل أدوات إبادة مبرمجة. واشنطن لا تُكتفي بتمويل الحرب وتسليح الاحتلال، بل تتورط مباشرة في إدارة جغرافيا المساعدات، وتحديد مسارات المدنيين، ثم التنصل الكامل عند وقوع المجازر، رغم أن المسار نفسه مرسوم بإشرافها وتخطيطها.
المجزرة تفضح ازدواجية المعايير الدولية، وعجز الأمم المتحدة، ووقوف العالم أمام مشهد قتل جماعي بلا رد. فما جدوى الحديث عن "ممرات إنسانية" إذا كانت تُفضي إلى حفر القبور؟ وما معنى الحديث عن "توزيع مساعدات" إذا كانت تنتهي إلى ارتقاء الجياع شهداء قبل أن يلامسوا رغيفًا أو حبة دواء؟
العودة إلى الآلية الأممية.. أو انسحاب كامل من الكذب
المجزرة تكشف الحاجة الماسة إلى إعادة الاعتبار للآلية الإنسانية الأممية التي جرى تقويضها قسرًا بضغط أميركي–إسرائيلي. لا يمكن لأي جهة عسكرية، خاصة تلك المتورطة في جرائم إبادة مستمرة، أن تُشرف على توزيع المساعدات. ولا يمكن الوثوق بمن يطحن الناس جوعًا أن يوزع الطحين بنية حسنة.
ما يجري في رفح، وفي مراكز الموت المنتشرة في غزة، هو تنفيذ حرفي لنموذج "المجاعة كسلاح تهجير"، حيث يتم تكديس الناس في مناطق محددة، وتجويعهم حتى الاضطرار، ثم تُفتح أمامهم بوابات مهلكة تُفضي إلى موت أو إذلال أو تهجير. وفي كل هذا، تبقى واشنطن شريكًا مباشرًا، لا يمكن إعفاؤه من المسؤولية.
من المسؤول؟ ومن يُحاسَب؟
لا يكفي أن نُدين. يجب أن نُسمّي المسؤولين بأسمائهم. المسؤول عن مجزرة ويتكوف هو الجيش الإسرائيلي، والحكومة الإسرائيلية، والجنرال ويتكوف، والإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن. المسؤولون ليسوا مجهولين، بل معروفون، وصورهم تُنشر على أنهم "منسقو المساعدات الإنسانية". ومن نجا من طائرات القتل، سيبقى شاهدًا على خديعة كبرى تُرتكب باسم الرحمة، ويُراد لها أن تُسجل في أرشيف "الإنجازات".
يجب على المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة، أن يُجبر الاحتلال على وقف هذه الآلية الدموية فورًا، ويفتح المعابر لتدفق المساعدات بإشراف أممي حصري. أما الصمت، أو التذرع بضعف الأدلة، فهو تواطؤ آخر، لن تُمحى آثاره لا من رفح ولا من التاريخ.
- غزة
- الأمم المتحدة
- الولايات المتحدة
- قطاع غزة
- حصار غزة
- العدوان على غزة
- غزة تحت القصف
- إبادة غزة
- التهجير
- مجاعة غزة
- مجزرة الطحين
- مجزرة الخبز
- تجويع الشعب الفلسطيني
- المساعدات الإنسانية إلى غزة
- ستيف ويتكوف
- ستيفن ويتكوف
- تجويع غزة
- مجزرة رفح
- سلاح التجويع
- آلية توزيع المساعدات في غزة
- أطفال غزة يموتون من الجوع
- الجوع يفتك بأطفال غزة
- مجزرة ويتكوف








