-
℃ 11 تركيا
-
3 أغسطس 2025
"رصاص الجوع": شهادات ناجين من الهجوم على مراكز توزيع الغذاء في رفح
"رصاص الجوع": شهادات ناجين من الهجوم على مراكز توزيع الغذاء في رفح
-
29 مايو 2025, 3:04:07 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
في رفح، جنوب قطاع غزة، لم تكن طوابير الانتظار الطويلة أمام مراكز توزيع المساعدات سوى مشاهد مؤلمة تفضح الواقع المروّع الذي يُحاصر الغزيين منذ شهور. لكن الكارثة هذه المرة لم تكن فقط في الجوع والعطش، بل في الرصاص الحي. في اليوم الأول لتطبيق "الآلية الجديدة" التي وضعتها إسرائيل والولايات المتحدة لتوزيع الغذاء عبر شركة أمريكية خاصة، دوى صوت الرصاص ليخلّف ثلاثة شهداء وعشرات الجرحى، بعد أن فتحت قوات الاحتلال النار على حشود مدنية جائعة.
تحت غطاء الإغاثة، تكشفت جريمة. شركة الأمن الأمريكية انسحبت من الموقع بعدما فقدت السيطرة، تاركةً المشهد لحشود منهكة تقتحم النقطة للحصول على ما تسد به رمقها. المركز الفلسطيني للمفقودين أطلق نداءات عن غياب عدد من المواطنين الذين لم يعودوا بعد خروجهم بحثًا عن الطعام، وسط حالة من الفوضى والقنص.
خطة إنقاذ أم إدارة للجوع؟
بعيدًا عن أي منطق إنساني، تبدو الخطة الأميركية الإسرائيلية الأخيرة لإغاثة غزة وكأنها وسيلة أخرى للسيطرة والتجويع. بحسب المرصد الأورومتوسطي، فإن هذه الخطة لا تهدف إلى سد الاحتياجات بل إلى فرض واقع جديد بالقوة. جرى تقليص عدد نقاط التوزيع إلى أربع فقط، ما أجبر آلاف العائلات على التنقل لمسافات تصل إلى 30 كيلومترًا مشيًا، في ظل انعدام وسائل النقل، والخطر الدائم للقصف.
كما يخضع رب الأسرة لإجراءات أمنية معقدة قبل استلامه المساعدة، قد تؤدي إلى اعتقاله أو إخفائه قسرًا، مما حوّل العملية من مهمة إنسانية إلى رحلة إذلال وقهر. هي سياسة قائمة على التحكم بالتدفق الغذائي لإبقاء السكان في حالة دائمة من العوز، تُدار بالإملاءات الإسرائيلية، كما وصفها مراقبون بأنها "إدارة للجوع".
لا خبز بلا نزوح
في هذا الواقع المرير، يواجه الناس خيارًا مستحيلًا: إما النزوح، أو الموت جوعًا. أحمد سمير، رب لخمسة أطفال من شمال غزة، عبّر عن معاناته قائلًا: "كيس الطحين صار مغامرة غير مضمونة. كيف يُطلب منا أن نغامر بأرواحنا من أجل كيس دقيق؟". أما أحد الصحافيين النازحين إلى دير البلح فكان أكثر وضوحًا: "إسرائيل حولت الصحافيين إلى أهداف. لن أذهب لأجلب مساعدات تحت النار، ولو كلفني ذلك الجوع".
حتى المخابز في غزة رفضت الانخراط في الخطة. رئيس جمعية أصحاب المخابز عبد الناصر العجرمي أكد أن كميات الدقيق المخصصة لا تكفي ولا تُوزع بعدالة، وطالب بإلغاء الخطة التي "تغذي الفوضى بدلًا من أن تطعم الناس".
الشهادات التي لا تموت
من داخل مدينة رفح، نقل شهود عيان تفاصيل مرعبة. أحد المواطنين قال في مقابلة مع "التلفزيون العربي": "احنا بنجري ورا لقمة عيشنا، لو في أمل في غزة ما كان حدا تعب نفسه وركض لهناك. احنا بنحارب عشان نعيش، واللي بيحصل فينا حرام". بينما أضاف آخر: "الوضع جوه كارثي، ناس كتير، وجوه مش إنساني، مش قادرين نتعامل، الناس كثيره خالص".
هي كلمات بسيطة، لكنها تختصر المأساة. ليس فقط في فوضى التوزيع، بل في الشعور العميق بالخذلان، حيث ترك العالم أهل غزة يواجهون النار والجوع بلا حماية ولا كرامة.
المساعدات تحت القصف
في الليلة نفسها التي قُتل فيها المدنيون برصاص الاحتلال، قُصف فريق من متطوعي الإغاثة أثناء تأمين قافلة مساعدات في دير البلح، مما أدى لاستشهاد ستة منهم. منظمات إنسانية تحدّثت عن تنسيق مشبوه بين جماعات مسلحة وطائرات الاحتلال، وكأن لا شيء يُمنع في هذه الحرب، حتى استهداف من يحملون الخبز.
الباحث الاقتصادي أحمد أبو قمر وصف ما يجري بأنه "هندسة ممنهجة لتجويع السكان"، فيما اعتبر الناشط الحقوقي رامي عبده أن هذه السياسة تُذكّر بسياسات الإبادة الجماعية: "الوجوه تغيرت، لكن أدوات الإبادة هي نفسها".
جريمة بحماية أمريكية
ليست هذه الجريمة الأولى، ولن تكون الأخيرة ما دام العالم يلتزم الصمت، وتواصل الولايات المتحدة دعمها المطلق لإسرائيل، سياسيًا وعسكريًا ولوجستيًا. فكل رصاصة تُطلق على الجائعين في غزة تحمل توقيعًا أمريكيًا، وكل خطة تغذية تُدار بمنطق التهجير والتجويع تشهد على تواطؤ أخلاقي وإنساني لا يغتفر.








