-
℃ 11 تركيا
-
13 يونيو 2025
كارثة المساعدات في رفح: الخطة الأميركية الإسرائيلية تنزلق نحو الفوضى
كارثة المساعدات في رفح: الخطة الأميركية الإسرائيلية تنزلق نحو الفوضى
-
28 مايو 2025, 8:38:45 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
في أول اختبار ميداني للخطة الأميركية الإسرائيلية الجديدة لتوزيع المساعدات في قطاع غزة، تحوّلت التجربة إلى كارثة إنسانية مكشوفة، عكست فشلًا ذريعًا في الرؤية والتنفيذ. فقد وثّقت مصادر فلسطينية ودولية ارتقاء ثلاثة شهداء وإصابة 46 آخرين، بنيران مباشرة أطلقها الجيش الإسرائيلي قرب إحدى نقاط توزيع المساعدات في مدينة رفح، وهي نقطة يديرها موظفو شركة أميركية خاصة، ضمن ما يُعرف بـ"الآلية الجديدة". الحادثة التي سُجلت وسط مشهد مأساوي، لم تكن سوى مقدمة لسلسلة من الانهيارات التي وسمت التجربة الأولى لهذه الآلية.
المركز الفلسطيني للمفقودين حذر من فقدان عدد من المواطنين الذين توجهوا إلى تلك النقطة للحصول على مساعدات ولم يعودوا، في ظل استمرار إطلاق النار والفوضى. المراسلون الميدانيون والشهادات العينية أكدت أن قوات الاحتلال لم تكتفِ بالمراقبة، بل أطلقت النار على المدنيين الذين تدافعوا نتيجة الجوع القاتل. شركة الأمن الأميركية انسحبت سريعًا من الموقع بعد أن فقدت السيطرة، في حين قامت الحشود باقتحام المركز والاستيلاء على المساعدات والعتاد، ضمن مشهد يجسد انهيارًا كاملًا.
توزيع بالإكراه: تهجير جماعي متنكر بغطاء إنساني
تأتي هذه الخطة في سياق سياسي وأمني أوسع، تسعى فيه إسرائيل والولايات المتحدة لتجريب نموذج بديل عن وكالة الأونروا، يهدف وفق تحذيرات حقوقية إلى تحويل العمل الإنساني إلى أداة سيطرة وتهجير. بحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإن آلية التوزيع الجديدة صُمّمت ليس لتلبية الاحتياجات الغذائية، بل لإخضاع السكان وإرغامهم على النزوح نحو الجنوب، عبر تقليص نقاط التوزيع إلى أربع فقط، وإلزام العائلات بالسفر لمسافات طويلة محفوفة بالخطر.
في هذا السياق، تتحدث تقارير ميدانية عن اضطرار العائلات لقطع مسافة تصل إلى 30 كيلومترًا للوصول إلى نقطة المساعدات، في ظل انعدام وسائل النقل واستمرار خطر القصف الإسرائيلي. ليس ذلك فحسب، بل يُشترط على أرباب الأسر الخضوع لفحوص أمنية دقيقة، ما يهدد بإخفائهم قسرًا أو اعتقالهم، ويحوّل توزيع المساعدات من مهمة إنسانية إلى عملية إذلال جماعي تُكرس التهجير القسري. ويشير المرصد الحقوقي إلى أن هذا النظام يمثل "إدارة للجوع" وليس استجابة إنسانية، حيث يتم التحكم بتدفق الغذاء لخلق حالة دائمة من العوز الخاضع للإملاءات الإسرائيلية.
التواطؤ الدولي وغياب الشفافية
يتّضح أن الخطة الجديدة استبعدت عمداً المؤسسات الدولية المتخصصة، وعلى رأسها وكالة الأونروا، والتي كانت تدير قبل العدوان أكثر من 400 نقطة توزيع تغطي معظم مناطق غزة. ورغم الضغط الدولي، لم يتم إدخال سوى عدد ضئيل من الشاحنات، فيما يمنع الاحتلال مئات الشاحنات الأخرى المحمّلة بالأغذية والأدوية من الدخول. مسؤولون في الأونروا أكدوا أن الوكالة مستعدة للعمل وفق آلية شفافة ومحايدة، لكن الاحتلال رفض التعاون وفرض قيودًا تعجيزية.
وعبّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عن رفضه الكامل لهذه الآلية، معتبرًا أن إشراف إسرائيل وأميركا على توزيع المساعدات يمثل "تشتيتًا للانتباه" عن المطلب الحقيقي، وهو فتح المعابر بشكل كامل والسماح بدخول كميات كافية من الإمدادات. كما استقال رئيس مؤسسة "إغاثة غزة الإنسانية" الأميركية المشرفة على الآلية الجديدة، معلنًا أن الخطة لا تحترم المبادئ الإنسانية الأساسية كالنزاهة والحياد والاستقلالية.
شهادات من قلب المجاعة
بين أزيز الطائرات وصيحات الجوع، تحدث مواطنون من شمالي ووسط غزة عن استحالة الوصول إلى نقاط التوزيع. أحمد سمير، أب لخمسة أطفال، وصف الخطة بـ"المغامرة غير المضمونة"، وأكد أن لا شيء يمكن أن يبرر إجباره على النزوح من أجل الحصول على كيس طحين. وفي شهادة صحافي نازح إلى دير البلح، جاء التحذير واضحًا: "إسرائيل حولت الصحافيين إلى أهداف. لن أذهب لأجلب مساعدات تحت النار، ولو كلفني ذلك الجوع".
المخابز في غزة رفضت العمل ضمن الآلية الجديدة، مؤكدة أن كميات الدقيق لا تكفي، وأن التوزيع غير واضح. رئيس جمعية أصحاب المخابز عبد الناصر العجرمي طالب بإدخال كميات كافية وتوزيع مباشر على العائلات، بدلًا من تنفيذ خطة تغذي الفوضى وتفاقم المجاعة.
جرائم تحت غطاء "الإغاثة"
أعادت الحادثة فتح النقاش حول استخدام إسرائيل للمساعدات كسلاح حرب. ففي الليلة نفسها، استُشهد ستة من أفراد فرق تأمين المساعدات بقصف إسرائيلي استهدفهم في دير البلح، أثناء محاولتهم حماية قافلة مساعدات. وتحدثت منظمات إنسانية عن تنسيق مشبوه بين لصوص مسلحين وطائرات الاحتلال، ما يبرز انعدام أي ضمانات لحماية المدنيين أو المساعدات.
الباحث الاقتصادي أحمد أبو قمر وصف ما يجري بأنه "هندسة لتجويع السكان"، وليس مجرد فشل إداري، في حين شدد الناشط الحقوقي رامي عبده على أن هذه السياسة تُذكّر بممارسات الإبادة الجماعية في أوروبا، مع فرق واحد: "الوجوه تغيرت، لكن أدوات الإبادة هي نفسها".
استغلال سياسي وإنساني مفضوح
كل المعطيات تشير إلى أن الآلية الأميركية الإسرائيلية ليست مجرد خطة فاشلة، بل مشروع سياسي مغلّف بغطاء إنساني. فقد أعلنت إسرائيل صراحة أن المساعدات جزء من خطتها للضغط على السكان ودفعهم للخروج من غزة. تصريحات نتنياهو وسموتريتش تكشف بوضوح النية في استخدام الغذاء والدواء كأدوات ابتزاز ضمن خطة تهجير جماعي.
المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أكد أن ما يجري "لا يمت بصلة للإغاثة"، بل هو مشروع عنصري لتفكيك المجتمع الفلسطيني، وتحويله إلى مجموعات معزولة في مناطق "غيتو" تفتقر إلى المقومات الأساسية. وأكد البيان أن استخدام الجوع كسلاح يرقى إلى مستوى جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان.
المسؤولية المباشرة: إسرائيل – أميركا – المنظمات الدولية
تتحمل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن انهيار هذا المسار الإغاثي الذي فرضته بقوة الاحتلال، كما تتحمل الإدارة الأميركية دورًا مركزيًا في دعم خطة تفشل إنسانيًا وتنجح فقط في تعزيز مشروع الاحتلال. أما المنظمات الدولية، فقد أظهرت بعض منها موقفًا صريحًا برفض التعاون، لكنها لم تبذل حتى الآن جهودًا فعالة لوقف الكارثة.
المرصد الأورومتوسطي شدد على أن إشراك الاحتلال في العمل الإنساني لا يؤدي سوى إلى نتائج كارثية، وطالب جميع الأطراف الدولية برفض أي خطة لا تراعي المبادئ الإنسانية الأساسية. كما طالب المكتب الإعلامي في غزة بتشكيل لجنة تحقيق دولية وتقديم قادة الاحتلال للمحاكمة، بعد أن أصبحت المساعدات وسيلة للقتل لا للإنقاذ.
وفي المقابل، جدّدت الأمم المتحدة انتقاداتها للمخطط، وقال المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، ينس لايركه، اليوم الثلاثاء، في مؤتمر صحفي من جنيف، إن عمل مؤسسة "إغاثة غزة" المدعومة من الولايات المتحدة "ليس إلا تشتيتًا للانتباه عما هو مطلوب بالفعل"، مشددًا على أن المطلوب هو "فتح جميع المعابر إلى غزة، والمزيد من الموافقات الإسرائيلية على إدخال الإمدادات الطارئة".
وأوضح لايركه أن الأمم المتحدة "لا تشارك في هذا النهج للأسباب التي سبق توضيحها"، مشيرًا إلى أن ما يُسمح بدخوله "لا يلبّي الاحتياجات الفعلية"، كما دعا إلى "إنهاء القيود الإسرائيلية المفروضة على نوعية المساعدات"، في وقت تواصل فيه إسرائيل الإشراف الكامل على فحص الشحنات، وترفض إدخال مواد تدّعي أن حماس قد تستخدمها لأغراض عسكرية.
لا إنقاذ إلا برفع الحصار
فشل الآلية الأميركية الإسرائيلية في أول يوم من تنفيذها لم يكن عرضيًا، بل نتيجة مباشرة لتصميمها القائم على السيطرة والقهر بدلًا من الإغاثة. الحل الوحيد لإنهاء الكارثة الإنسانية في غزة هو استعادة النظام الإنساني السابق بقيادة الأونروا، ورفع الحصار الإسرائيلي غير القانوني، وتمكين المنظمات الدولية من أداء مهامها بمعزل عن الأجندات العسكرية والسياسية.
ففي ظل المجاعة التي تفتك بالسكان، والمجازر المتكررة بحق المدنيين، لم تعد المسكنات كافية، بل بات المطلوب تدخلًا دوليًا عاجلًا يعيد المعابر للعمل، ويُنهي استخدام الطعام كسلاح في حرب الإبادة. غزة لا تحتاج إلى خطط أميركية، بل إلى عدالة وكرامة، وقبل كل شيء، إلى حرية واستقلال.
- غزة
- الأمم المتحدة
- الأونروا
- الولايات المتحدة
- قطاع غزة
- حصار غزة
- العدوان على غزة
- غزة تحت القصف
- رفح
- إبادة غزة
- المكتب الإعلامي الحكومي
- المرصد الأورومتوسطي
- تجويع الشعب الفلسطيني
- المساعدات الإنسانية إلى غزة
- تجويع غزة
- استهداف عناصر تأمين المساعدات
- وقف المساعدات إلى غزة
- سلاح التجويع
- آلية توزيع المساعدات في غزة
- حماية المساعدات
- التهجير عن طريق المساعدات
- المساعدات كسلاح حرب
- شركات توزيع المساعدات في غزة







