هل تؤثر المحاكم الرمزية في معركة الوعي والعدالة الدولية؟

محكمة غزة في سراييفو: صرخة قانونية من الجنوب إلى ضمير العالم

profile
  • clock 29 مايو 2025, 2:57:35 م
  • eye 421
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
محكمة غزة في سراييفو

متابعة: محمد خميس

في مشهد رمزي لكن شديد الدلالة، شهدت مدينة سراييفو البوسنية، التي لم تبرأ بعد من جراح مذبحة سريبرينيتسا، حدثًا غير مسبوق في عالم العدالة الرمزية. ما بين 26 و29 مايو/أيار الجاري، استضافت المدينة "محكمة غزة"، وهي محكمة شعبية ضميرها الإنسان وقضيتها العدالة، لمساءلة "إسرائيل" عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023.

العدالة الرمزية في مواجهة العجز الدولي

تُعقد المحكمة في إطار شعبي غير رسمي، بدعم من منتدى شباب منظمة التعاون الإسلامي، ردًا على عجز المنظومة القضائية الدولية عن وقف المأساة المستمرة في غزة، التي خلفت أكثر من 176 ألف ضحية، أغلبهم من الأطفال والنساء، وسط صمت دولي ثقيل.

وفي كلمته الافتتاحية، صرّح ريتشارد فالك، المقرر الأممي السابق لحقوق الإنسان في فلسطين، بأن "الإبادة أصبحت علنية، موثقة بالصوت والصورة"، مضيفًا أن "إسرائيل لم تعد تخفي نواياها، بل تعلنها على الملأ من خلال حصار خانق وتجويع ممنهج".

شهادات حية: توثيق الألم وبناء السردية القانونية

من أبرز مداخلات المحكمة، كانت شهادة جيف هالبر، الناشط الإسرائيلي المناهض لهدم المنازل، والذي وصف ما يحدث في غزة بأنه "المرحلة النهائية من مشروع استيطاني استعماري يسعى لإبادة الفلسطينيين بالكامل".

أما منسق المحكمة، أحمد كور أوغلو، فأكد على أهمية كسر حاجز الصمت: "نحن لا نقدم فقط سردًا إنسانيًا، بل نحضّر ملفات قانونية يمكن أن تُقدَّم للمحافل الدولية".

الاقتصاد السياسي للإبادة: تحليل الجذور لا السطح

ولم تقتصر جلسات المحكمة على عرض الشهادات، بل شملت أيضًا مناقشات أكاديمية معمّقة حول الاقتصاد السياسي للإبادة، وعلاقة الرأسمالية المعولمة بدعم الاحتلال الإسرائيلي. وركّز المشاركون على دور الشركات العالمية والتمويل الغربي، لا سيما الأمريكي، في إطالة أمد الجرائم ضد الفلسطينيين، عبر دعم غير مباشر للآلة العسكرية الإسرائيلية.

بيان سراييفو... والمسار نحو إسطنبول

من المرتقب أن تختتم المحكمة أعمالها في سراييفو بإصدار "بيان سراييفو"، الذي سيضم التوصيات والمواقف الرئيسية التي خرجت بها الجلسات. فيما ستكون المحطة التالية في إسطنبول خلال أكتوبر المقبل، حيث ستُعقد الجلسة الختامية بحضور قانونيين دوليين، وشهود وضحايا، لمناقشة مسودة القرار النهائي.

ويُخطط أن تُقدَّم هذه المسودة بصيغ قانونية لمحاكم دولية مثل المحكمة الجنائية الدولية، لتكون بمثابة وثيقة موثقة لمسار العدالة من الأسفل إلى الأعلى.

محكمة غزة: بين الرمزية والفاعلية القانونية

رغم أنها لا تملك سلطة تنفيذية، تؤكد المحكمة أنها تسعى لملء فراغ تركته العدالة الرسمية، نتيجة الشلل السياسي والبيروقراطي والتواطؤ الدولي. وقد وُلدت فكرتها في لندن عام 2024، كرد فعل مباشر على "فشل المجتمع الدولي في تطبيق القانون الدولي على الجرائم في غزة"، كما ورد في بيانها التأسيسي.

العدالة على الهواء: بث مباشر وشفافية مطلقة

في خطوة تعزز الشفافية والوعي العالمي، تم نقل الجلسات مباشرة عبر الإنترنت، ما مكّن جمهورًا عالميًا واسعًا من متابعة تفاصيل المحكمة. وهو ما يجعلها ليست فقط أداة للمساءلة، بل أيضًا منصة لإعادة تشكيل الوعي الدولي تجاه القضية الفلسطينية.

أمل الشهود: صوت غزة لا يُقهر

من قلب الألم، ارتفعت شهادات الناجين لتروي قصصًا عن الأمهات تحت الأنقاض، الأطفال في الظلام، والمستشفيات التي تعمل بلا كهرباء أو دواء. هذه الشهادات حولت الجدران الصامتة في سراييفو إلى منابر للعدالة، وأثبتت أن محكمة غزة ليست فقط ضد "إسرائيل"، بل ضد الصمت الدولي والازدواجية الأخلاقية.

من سراييفو إلى غزة... طريق طويل نحو العدالة

بين الرمزية والواقع، تبقى محكمة غزة تجربة فريدة تسعى إلى تحريك المياه الراكدة في النظام القانوني الدولي. إنها ليست فقط محكمة، بل صرخة ضمير تنبعث من الجنوب وتُسمع في كل ركن من العالم، تذكّر بأن العدالة قد تغيب، لكنها لا تموت.

التعليقات (0)