-
℃ 11 تركيا
-
3 أغسطس 2025
قبور بلا موتى: كيف يستخدم الاحتلال مدافن وهمية لتزوير تاريخ القدس؟
قبور بلا موتى: كيف يستخدم الاحتلال مدافن وهمية لتزوير تاريخ القدس؟
-
18 يوليو 2025, 9:57:37 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
تزرع سلطات الاحتلال الإسرائيلي آلاف القبور الوهمية في أنحاء متفرقة من مدينة القدس المحتلة، وتحديدًا حول البلدة القديمة والمسجد الأقصى المبارك. لا تحتوي هذه القبور على رفات، بل تُغطى بشواهد تحمل أسماء باللغة العبرية وشعارات دينية مزعومة، في محاولة لفرض رواية تاريخية مختلقة، وتغيير الهوية البصرية والثقافية للمدينة. وتُعدّ هذه الممارسة جزءًا من استراتيجية ممنهجة للاستيلاء على الأراضي الوقفية وأملاك الفلسطينيين، ومحاولة عزل المعالم الإسلامية والمسيحية برموز مصطنعة لا تستند لأي سند أثري موثّق، وفق ما أوردته قناة "الجزيرة".
بداية سياسة التزوير
بدأت زراعة القبور الوهمية في بلدة سلوان عام 1978، وهي المنطقة التي تشكّل الامتداد الجنوبي للمسجد الأقصى وخط دفاعه الأول. ومن هناك، توسعت السياسة لتشمل مناطق أخرى من القدس. لجأت سلطات الاحتلال إلى تجريف أراضي الفلسطينيين تحت ذريعة أنها فوق مقابر يهودية قديمة، بينما تُمنع صيانة مئات المقابر الإسلامية التاريخية، وتُجرف أجزاء منها عمدًا.
وبحسب باحثين مقدسيين، فقد زرعت سلطات الاحتلال أكثر من 13 ألف قبر وهمي منذ ذلك الحين، منها نحو 32% في سلوان تحديدًا، لما تمثّله من موقع إستراتيجي ضمن مشروع تهويد المدينة وتزوير معالمها التاريخية.
جهات إسرائيلية متورطة
تتولى تنفيذ هذه العمليات جهات رسمية وجمعيات استيطانية متطرفة، من أبرزها:
بلدية الاحتلال في القدس.
وزارة الخدمات الدينية الإسرائيلية.
سلطة الآثار الإسرائيلية.
جمعية “إلعاد” الاستيطانية.
شركات دفن يهودية خاصة.
يعمل هؤلاء بالتنسيق الكامل لزراعة الشواهد الوهمية، وتحويل المساحات الفلسطينية إلى مدافن مزعومة تُستخدم كسلاح استعماري لتغيير معالم المدينة.
أهداف سياسية وعقائدية
تكشف هذه السياسة عن فشل الاحتلال في إثبات أي وجود أثري يهودي موثق في القدس، فاختلق تاريخًا بديلاً عبر هذه القبور الوهمية، خدمة لجملة من الأهداف:
السيطرة على أراضٍ وقفية وأملاك فلسطينية خاصة.
عرقلة توسع المقدسيين العمراني.
خنق المناطق المحيطة بالأقصى تمهيدًا لهدمه وبناء الهيكل المزعوم.
طمس الهوية البصرية والثقافية الإسلامية والعربية للمدينة.
دفع السكان المقدسيين للهجرة القسرية عبر محاصرتهم عمرانيًا ونفسيًا.
الترويج لادعاءات بوجود إرث حضاري يهودي وهمي في القدس.
تبرير هدم منازل الفلسطينيين وإغلاق الطرق بذريعة وجود مقابر يهودية.
صناعة الكذب
تصنع القبور الوهمية عبر حفر ضحلة بعمق لا يتجاوز 35 سنتيمترًا، تُغرس فيها قضبان حديدية وتُغطى بالإسمنت. تُجلب شواهد حجرية قديمة من أماكن مجهولة لتُوزع داخل ما يُطلق عليه زورًا “مقابر يهودية”، مع إضافة عبارات مثل "هنا مقبرة يهودية" أو رموز نجمة داود والهيكل.
ويُستخدم أحيانًا البوليسترين المقاوم للتحلل في صناعة هذه القبور، في محاولة لإظهارها كمواقع أثرية، رغم غياب أي دليل على وجود رفات حقيقي. وتتيح سلطات الاحتلال لأي يهودي حول العالم شراء قبر فارغ بزعم تخصيصه لأجداده، ما يفتح الباب أمام استغلال تجاري-ديني للتزوير التاريخي.
وحسب رئيس لجنة المقابر الإسلامية في القدس، مصطفى أبو زهرة، فإن عمال سلطة الآثار هم من ينفذون عملية الحفر والخرسانة وإضافة الحجارة والطبقات الترابية لتبدو هذه القبور “قديمة”.
سلوان: خط المواجهة
تُعد بلدة سلوان الأكثر استهدافًا بهذه الممارسات. يزرع الاحتلال القبور الوهمية في مناطق كـوادي سلوان ورأس العامود ومنطقة الشياح. وتدعي بلدية الاحتلال أن هذه المناطق تضم رفات يهود من مملكة يهوذا، رغم عدم وجود أدلة موثقة.
وتُظهر خرائط الاحتلال أن نحو نصف سكان حي وادي الربابة يعيشون فوق ما تسميه سلطات الاحتلال "أنقاض مقبرة"، وهي مزاعم يرفضها السكان جملة وتفصيلًا.
كما يدّعي الاحتلال أن المقابر المزعومة تعود لفترة "الهيكل الأول"، وأن بعض سكان سلوان الأوائل حوّلوا تلك الكهوف إلى مساكن منذ القرن الـ15، وهو ادعاء يفتقر لأي إثبات أثري مستقل.
جبل الزيتون
يمتد مشروع القبور الوهمية إلى منطقة جبل الزيتون، الواقعة شرق المسجد الأقصى، حيث تغطي القبور آلاف الأمتار على مساحة تتجاوز 400 دونم. تُعرف هذه المنطقة بمسمى “هارهزيتيم”، وتعتبرها الرواية اليهودية المزعومة "أهم مقبرة في العالم".
ورغم الادعاء بضيق مساحة الدفن، تستمر السلطات الإسرائيلية في زراعة قبور وهمية يوميًا، دون جنائز حقيقية. وتُثبت الشواهد على هذه القبور بزعم دفن شخصيات دينية وسياسية إسرائيلية مثل أليعازر بن يهودا ومناحيم بيغن.
وتروّج الروايات التلمودية أن من يُدفن في جبل الزيتون سيكون أول من يُبعث عند قيام الساعة، ويحرص اليهود على جمع تراب من هذه المقابر ونثره فوق قبور أقاربهم خارج فلسطين طلبًا للبركة.
وادي جهنم ودير ياسين
تتمدد القبور الوهمية إلى وادي قدرون، المعروف أيضًا بـ"وادي جهنم"، على السفوح الشمالية للمسجد الأقصى. يزعم الاحتلال وجود قبور أنبياء بني إسرائيل هناك، كما في "طنطور فرعون" و"مقبرة الأنبياء"، مدعيًا أن المسيح سيعبر هذا الوادي في آخر الزمان.
وفي غرب المدينة، بُنيت مقبرة اصطناعية على أراضي قرية دير ياسين، استغرق تشييدها أربع سنوات، وكلفت نحو 55 مليون دولار. تضم المقبرة 25 ألف قبر موزعة على أربعة طوابق يمكن الوصول إليها بالمصاعد، وتُقدَّم بوصفها مستوحاة من “الهيكل الثاني” المزعوم، حسب مؤسسة "كديشاه" الإسرائيلية التي أشرفت على المشروع.
مقاومة مقدسية
يواجه المقدسيون هذه السياسات بفعاليات احتجاجية متكررة، تتضمن إقامة صلوات الجمعة في الأراضي المستهدفة بالمصادرة، وتنظيم اعتصامات تندد بسياسات التهويد.
يرى الفلسطينيون في هذه القبور الوهمية أداة استعمارية لتزوير التاريخ وسرقة الأرض، وفرض وقائع زائفة تخدم المشروع الإسرائيلي الرامي إلى محو الطابع العربي والإسلامي للقدس، وتكريس هيمنة الاحتلال على المكان والرواية.









